لا يعرف العديد من التونسيين الرمز الخاص بالإنتاج المحلي الذي يحمل الرقم 619، كما لا يعرفون إذا كانت المنتجات التي يشترونها محليّة الصنع أو مستوردة. ويمكن القول حتى إن معظمهم لا يولون أي أهمية لهذا الأمر بمقدار معاينة الأسعار ومعرفة جودة المنتجات المهمة جداً بالنسبة إلى خياراتهم في الشراء. في المقابل، يركز قليلون على التدقيق في مصادر وأماكن صنع المنتجات التي يرغبون في الحصول عليها، وقد يكون دافعهم الأول إلى فعل ذلك مجرد الفضول، ما لا يخدم بالتالي مصالح الاقتصاد المحلي الذي يتطلّع إلى تشجيع الاستهلاك الذي يحمل العلامة الوطنية تمهيداً لتوفير إيرادات مهمة تتناسب مع الأهداف الموضوعة.
وكان كشف ميداني أجراه المعهد التونسي للاستهلاك عام 2017 قد أظهر أنّ نسبة 29.5 في المائة فقط من التونسيين يُقبلون على المنتجات المحلية باعتبارها أولوية بالنسبة لخيارات الشراء لديهم، في حين يُفضّل نحو الثلثين استهلاك منتجات أجنبية مهما كان مصدرها لأنهم لا يثقون بتلك المحلية.
وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد دعوا، من خلال هاشتاغ "استهلك تونسي 619"، إلى مقاطعة المواد الاستهلاكية المستوردة، بهدف المساعدة في إنقاذ الاقتصاد الوطني والتصدي للواردات العشوائية التي أغرقت السوق المحلية بمنتجات يصنع بعضها في الداخل، ما تسبب في هدر الكثير من العملات الصعبة، خاصة أن سلعاً أجنبية عدة جُلبت خلال السنوات الأخيرة من أسواق جديدة غير معروفة في تونس.
في عام 2019، أطلقت هدى الناصري التي تعمل في هندسة الإعلام والاتصالات مبادرة "استهلك تونسي" لتشجيع المواطنين على استهلاك المنتجات التونسية من جهة، ومن جهة أخرى المصنّعين والحرفيين المحليين على مواصلة العمل، وتقديم سلع ذات جودة عالية، ما يسمح بالحدّ من استهلاك العديد من السلع المستوردة. وتفاعل عدد كبير من التونسيين مع المبادرة، وصولاً إلى 467 ألف شخص ينخرطون في الحملة حالياً. وتقول لـ"العربي الجديد": "في البداية، أطلقت مع مجموعة من أصدقائي المبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وحرصت على التعريف بأهدافها، وأهمية إنقاذ العديد من المصنعين والمنتجين، وتكثيف شراء واستهلاك المنتجات التونسية لدفع عجلة الاقتصاد الوطني".
تتابع: "تحوّلت المبادرة في مرحلة ثانية إلى استراتيجية تطبيق إجراءات على أرض الواقع، وركزت على ضرورة تغيير العقليات والتعريف بالمنتجات التونسية وبرمزها التجاري الذي يحمل رقم 619، والذي يجهله في ظاهرة لافتة العديد من التونسيين، ما يحتم إقبالهم على استهلاك منتجات من دون التثبت أو الاهتمام بمكان صنعها. والحقيقة أن العديد من التونسيين لا يعرفون أنّ 619 هو الرمز التجاري لبلدهم، كما لا يهتم كثيرون بمكان التصنيع أو باستهلاك المنتجات المحلية بالدرجة الأولى من أجل إنقاذ الصناعة والإنتاج في الداخل. وفي المرحلة الثانية، ركزت الحملة على مطالبة المصنّعين برفع جودة المنتجات، وتخفيض أسعار البيع".
وتتجوّل هدى في العديد من المناطق التونسية مرتدية الشاشية التقليدية التي ترمز في الأساس إلى الإنتاج التونسي، كما تحرص على ارتداء ملابس أخرى صنعها حرفيون محليون، من أجل نقل إيحاءات إيجابية عن الميزات الجمالية للزي التونسي، وقدرته على مواكبة أي مكان وزمان.
وتتنقل هدى برفقة عدد من رفاقها وشركائها في مبادرة "استهلك تونسي" لتوزيع العديد من المساعدات خلال الاحتفالات الدينية والأعياد، لا سيما في المناطق الداخلية، وجابت غالبية مدن المحافظات الـ24 في أنحاء الجمهورية. وتذكر أنّها "عمدت أيضاً إلى توزيع منتجات تونسية الصنع كمساعدات من أجل تشجيع الاستهلاك المحلي والتعريف بجودة الصناعات الداخلية. وتشير إلى أنّ العديد من المنتجين والمصنعين والحرفيين تفاعلوا مع المبادرة، وأن نقاشات دارت مع عدد منهم حول أهمية تحسين جودة الإنتاج من جهة، ومن جهة أخرى تخفيض الأسعار كي تناسب الشريحة الكبرى من المواطنين، وتساهم بفعّالية في تحفيزهم على استهلاك المنتجات المحلية، وعدم اللجوء إلى خيارات البضائع المستوردة ذات الثمن الأعلى".
وتؤكد هدى أنّ "مبادرة استهلك تونسي لقيت استحساناً كبيراً لدى العديد من المصنّعين والمنتجين، ودفعت شركات إلى كتابة شعار استهلك تونسي على العديد من منتوجاتها، خاصة الغذائية، لتحفيز التونسيين على استهلاك البضائع المحلية، خاصة أنّ البعض لا يستطيع التمييز بين المنتجات التونسية والأجنبية عبر قراءة الرمز التجاري، ما يعني أن الشعار قد يلفت نظر بعض هؤلاء المستهلكين".
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كرّمت وزارة المرأة والأسرة هدى من أجل تشجيعها على مواصلة الحملة والمبادرة التي أطلقتها. ورغم أن المبادرة تأثرت بفترة انتشار فيروس كورونا والقيود التي فرضت خلالها، واصلت هدى العمل الخيري عبر توزيع العديد من المنتوجات، سواء خلال مرحلة كورونا نفسها، أو خلال الأعياد ومناسبة العودة المدرسية. وتغيّرت المساعدات بحسب المناسبات، لكنها كانت أكثر تركيزاً على توزيع منتجات تونسية، مع تجنّب توزيع تلك المستوردة إلا إذا كان لا يصنع مثلها في تونس.
وتذكر هدى أنّها ستستأنف مجدداً العمل الميداني من أجل تشجيع الإنتاج التونسي، وستزور خلال الأيام المقبلة مناطق يحتاج فيها الأهالي إلى مساعدات خلال فصل الشتاء تحديداً، مع الاهتمام بربط العمل الخيري بالتشجيع على استهلاك منتجات تونسية. يُذكر أن منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس احتفلت في فبراير/ شباط 2019 بالذكرى 30 لتأسيسها، واتخذت من "استهلك تونسي" شعاراً لها للتشجيع على الإقبال على الإنتاج المحلي، ودعم المستثمرين والصناعيين التونسيين، والعمل لتعزيز الثقة بين المستهلكين والإنتاج التونسي. ونظمت المنظمة حملة توعوية لدعم المنتجات المحلية، سواء تلك الصناعية أو الغذائية.
واختارت منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس هذا العام مجدداً شعار "استهلك تونسي" لمؤتمرها السنوي المقرر في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل للتذكير بأهمية استهلاك الإنتاج التونسي في سبيل إنقاذ الاقتصاد، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة انتشار البضائع المهرّبة والمستوردة.