البحث عن أم وابنتها تحت أنقاض المبنى المنهار في بغداد وسط دعوات للمحاسبة

03 أكتوبر 2022
فرق الدفاع المدني مستمرة في البحث عن الناجين أو جثث الضحايا (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

لليوم الثالث على التوالي، تواصل فرق الإنقاذ العراقية البحث عن أمّ وابنتها ما زالتا عالقتين تحت أنقاض المبنى المُدمر وسط بغداد، السبت الماضي. فيما تم إخراج 13 شخصاً على قيد الحياة، وانتشال جثة رجل، أمس الأحد.

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني العراقي، العميد جودت عبد الرحمن، اليوم الإثنين، إن "فرق الدفاع المدني مستمرة في البحث عن الناجين أو جثث الضحايا في حادثة الانهيار"، مبيناً أن "الفرق أنهت الجزء الكبير من عمليات الإنقاذ"، وأوضح أن "75 ‎بالمائة من ركام المبنى تم رفعه وبقي 25 بالمائة، وهي منطقة تمركز الانهيار".

وتوقّع المتحدث، في حديث للصحافيين، أن "يكون هناك ناجون، لذلك نتوخى الدقة في عملنا، وهذا هو سبب التأخر"، معرباً عن خشيته من "حدوث انهيارات فرعية قد تودي بحياة الأشخاص الموجودين تحت الركام".

سقوط الأبنية.. وجه آخر للفساد

وفتحت حادثة سقوط مبنى مؤلف من أربعة طوابق مخصص لعيادات طبية، في ساحة الواثق بمنطقة الكرادة في العاصمة العراقية بغداد، يوم السبت الماضي، أبواب التساؤل عن دور المراقبة الفعلية من الجهات ذات العلاقة بالتصميم والبناء والسلامة الأمنية، لا سيما أن هذا الحادث سبقته أحداث مماثلة شهدت سقوط ضحايا.

وفي مايو/أيار الماضي، شهدت بغداد انهيار مبنى مطعم "ليلى" في منطقة الجادرية وسط العاصمة، جراء انفجار منظومة الغاز، وراح ضحيته نحو 12 عراقياً وموظفاً وعاملاً أجنبياً كانوا في المطعم وفي سردابه السفلي، فيما أصيب العشرات بإصابات بالغة.

ورغم ذلك، فإن اللجنة التحقيقية في الحادث لم تكن واضحة في بيانها، الذي عزت فيه الخلل إلى "منظومة الغاز"، ولم تذكر أي شيء عن مسؤولية الجهات التي نفذت مشروع المطعم، وهو الوضع نفسه مع انفجار المجمّع الطبي يوم السبت الماضي.

عقب الحادث الأخير، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، في تغريدة عبر "تويتر"، إنه وجّه بـ"فتح تحقيق في الحادث"، لافتاً إلى أن "الحادث يؤكد صحة جهود مكافحة الفساد، وإيقاف منح الإجازات العشوائية، وقد واجهت- للأسف- بسببها انتقادات عدة"، في إشارة إلى تخليه عن مسؤولية البناية التي انهارت، فيما فسر مراقبون أن ما تحدث به الكاظمي عن "الإجازات العشوائية" تمنح عادة من قبل موظفين يتبعون أحزابا متنفذة مقابل مبالغ مالية غالباً ما تكون كبيرة.

من جهتها، أكدت رئيسة هيئة الاستثمار في العراق سهى النجار أن مشروع "المجمع الطبي" لم يُمنح إجازة من قبل الهيئة. وذكرت في بيان أن "الهيئة الوطنية مسؤولة عن المشاريع الاستراتيجية التي تتجاوز 250 مليوناً، وهي لم تمنح من قبلنا، ومنحت الإجازة في عام 2018، وتكلفتها كانت أقل من ملياري دولار".

وأوضحت أن "المبنى قائم وملك خاص منذ عام 2009، حيث إنه لم يبن كاستثمار، بل إجازة الاستثمار كانت حول الأجهزة المستوردة للبناية"، مشيرة إلى أن "المشاريع الاستثمارية تغطي جميع القطاعات، ونحن نشجع على الاستثمار الصحي المشروع، وإن كان سبب الانهيار عدم الصيانة أو تغيير المبنى ستكون المسؤولية الكاملة على المستثمر".

مسؤول في أمانة العاصمة العراقية بغداد اعتبر تنصل الجهات الرسمية والدوائر الحكومية من المسؤولية عن انهيار المبنى "متوقع"، مضيفا أن "المجمع الطبي المنهار تم تأسيسه بعد سلسلة إجراءات وموافقات جرى الحصول عليها من هيئة استثمار محافظة بغداد، وأمانة العاصمة، إضافة إلى وزارة الصحة، وأن هيئة الاستثمار الوطنية هي من أشرفت على بناء هذا المجمع، وأن جميع الأبنية التي انهارت خلال الأعوام الماضية تم إنشاؤها بعد سلسلة موافقات من جهات رسمية".

وأكد المسؤول ذاته، لـ"العربي الجديد"، أن "اللجان التحقيقية تغلق عادة بسبب اكتشاف حلقات مهمة من سلسلة التحقيق، وتحديداً ما يصطدم بوجود مستثمرين وتجار وموظفين في أحزاب كبيرة".

من جانبه، أشار عضو مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي إلى أن "انهيار بنايات كبيرة ومطاعم ضخمة، بعد سنوات قليلة من بنائها، يؤشر إلى وجود كوارث وصفقات في طريقة الحصول على الموافقات والأوراق الأمنية والتخويل وإجازات الاستثمار، ناهيك عن المواد المعمول بها في البناء وظروف العمل".

وأكد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حاجة حقيقية للبحث والتحقيق في أسباب انهيار المطاعم والمجمعات، وحتى لو كانت هذه الأبنية قد بنيت في حكومات سبقت حكومة الكاظمي، فإن الأخيرة أيضاً تتحمل المسؤولية لأنها لم تراقب الوضع، ولم تتابع جودة الأبنية وعلامات السلامة فيها".

وأكمل المطلبي أن "هناك احتمالا لسقوط وانهيار مزيدٍ من الأبنية، خصوصاً تلك التي شُيدت في السنوات الماضية، لأن الفساد ينخر الدولة، وهناك مستثمرون وتجار على علاقة بأشخاص ينتمون لبعض الأحزاب، وربما حصلوا على إجازات لبناء مطاعم وغيرها"، معتبراً أنه "من المفترض أن تباشر فرق أمانة العاصمة والجهات المعنية بالبحث عن الأبنية التي قد تنهار في أي لحظة، ومنع حدوث أي خسائر بشرية".

استجواب مسؤولي هيئة الاستثمار

برلمانياً، أعلنت لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي أنها تعتزم استجواب مسؤولي هيئة الاستثمار، لمناقشة حادث انهيار المبنى ومعرفة الأسباب.

وذكر بيان أصدرته الدائرة الإعلامية للمجلس أن "لجنة النزاهة البرلمانية ستستضيف يوم الأربعاء المقبل رئيسة هيئة الاستثمار الوطنية ومحافظ بغداد ومدير استثمار بغداد، لمناقشة ملابسات انهيار بناية المختبر الوطني في الكرادة ببغداد".

وقدم عضو لجنة النزاهة البرلمانية النائب هادي السلامي طلباً لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بـ"سحب يد رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، بسبب الفساد وهدر المال العام وتعريض أرواح المواطنين للخطر".

ونأت الهيئة الوطنية للاستثمار بنفسها عن حادثة انهيار المبنى، مشيرة إلى أن "الجهات المسؤولة عن المبنى المنهار هي وزارة الصحة وأمانة بغداد". أما النائب مضر الكروي، فقد توقع أن يكشف التحقيق ملفات فساد تقف وراء الحادث، وقال إن "دماء العراقيين خط أحمر، ويجب أن يكون التحقيق شفافا أمام الرأي العام".

من جانبه، أكد المهندس العراقي محمد رشيد أن "معظم الأبنية التي شيّدت في بغداد وبقية المحافظات العراقية، بعد عام 2003، تعاني من مشاكل في التصميم واختيار المساحة والطاقة الاستيعابية للأثقال، كما أن البناء وتعبئة الجدران بمادة "الفلين" صارت ظاهرة وسيجني العراقيون سلبياتها"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "هناك فسادا إداريا وماليا في موضوع منح إجازات الاستثمار والبناء، وللأسف يُحرم منها التجار المخلصون، لكنها تمنح بسهولة إلى التجار والمستثمرين الذين يملكون علاقة طيبة بأعضاء في مجلس النواب وبعض قادة الأحزاب".

المساهمون