تتّجه مناطق سيطرة النظام السوري لمرحلة اللا دولة، مع معدل مرتفع وغير مسبوق من جرائم القتل، في وقت يُشار فيه إلى وجود أيد خفية للنظام هدفها رفع معدل الجريمة، بكل أشكالها من قتل وسرقة وخطف، ليبقى دوره مقتصراً على تسطير انتصارات إعلامية كما حدث في جريمة اختطاف الطفل فواز القطيفان في درعا، والتي قد يكون النظام متورطاً فيها.
وجاء الرقم الصادم للجرائم التي وقعت خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، على لسان المدير العام لهيئة الطب الشرعي في حكومة النظام زاهر حجو، الذي كشف عن جرائم قتل ووفيات جراء حوادث سير. وقال حجو إنّ عدد ضحايا جرائم القتل خلال الشهر الماضي، بلغ 40، مع تسجيل 13 حالة انتحار، منها 10 ذكور و3 نساء، وأكّد تسجيل 72 حالة وفاة بسبب حوادث السير، وضحاياها 59 من الذكور و13 من الإناث، وذلك في تصريحات لصحيفة "الوطن" الموالية للنظام.
ويتحمّل النظام المسؤولية من كافة النواحي، سواء من حيث ضبط الأمن أو تجاهله في بعض المناطق، مع فوضى السلاح والمليشيات المتعددة في مناطق سيطرته، التي أصبحت عصابات أقوى من القانون. وفي الخصوص، يشدّد فضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، على مسؤولية النظام، ويقول: "منذ قرابة عام تقريباً، لم يعد النظام السوري معنياً كثيراً بالحوادث الأمنية، خاصة بالأطراف، سواء كانت هذه أحياء طرفيّة في دمشق أو غيرها من المدن، كونه لا يريد توظيف موارد".
وأضاف عبد الغني: "يتحمّل النظام مسؤولية الانفلات الأمني الحاصل في الأطراف، وهو مسؤول مباشر عنها، كونه لا يكترث بما يحدث نتيجة التضييق والوضع الاقتصادي والوضع الأمني. كما أنّ ضعف الأمن بسبب ضعف هيكليّة الأجهزة الأمنية وهيكلية الجيش، يدفعه للتخلي عن الأطراف والتخلي عن مسؤولية الأمن فيها. وهذا من الأسباب الأساسيّة لارتفاع معدلات جرائم القتل في مناطق النظام، إذ هو لا يلاحقها ولا يوظّف لها الموارد، لمحاسبة هؤلاء الأفراد، الذين قد يكونون أفراداً من الشبّيحة أو المليشيات المحسوبة عليه. كما أنّ الأسباب الأخرى لارتفاع معدلات الجريمة معروفة، إذ إنّ 85 بالمائة من الناس تحت خط الفقر، والأوضاع في مناطق النظام أسوأ من مناطق سيطرة المعارضة وقسد وهيئة تحرير الشام، وبالتالي هذه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، تدفع بالناس لارتكاب جرائم الخطف والقتل لأجل المال وليس القتل الانتقامي".
وعند سؤاله عن إمكانية اتجاه السكان في مناطق سيطرة النظام للحماية الشخصية، عائلياً كان أو عشائرياً، أجاب عبد الغني أنّ "الناس سوف تبتعد أكثر عن الدولة لتذهب إلى الجماعات التابعة لها، إن كان طائفياً أو عشائرياً، وتنظّم أمورها ذاتياً، والأمر سيتوسّع أكثر كون الناس لا يجدون نفوذاً أو سيطرة لأجهزة الدولة، وهناك خلل كبير في ضبط الأمن والمجرمين".
وشدّد عبد الغني على أنّ "تداعيات الأمر كارثية على المجتمع، فهناك ارتفاع في معدلات الجريمة والسرقة والقتل والنهب، والنظام يتّجه نحو تدمير الدولة، وذكرنا في تقرير سابق لنا أن الدولة انهارت والمجتمع يسير نحو التفكك الكامل، والموضوع يحتاج إلى البحث لمعرفة ما إذا كان النظام هو من يدفع بهذا الوضع كي لا يكون من الممكن ضبط الأوضاع في سورية إلا عن طريقه. هذا السؤال متشعّب ومعقّد بحثياً، وهو بحاجة لتعمق، والتداعيات كارثية بمختلف الجوانب على الناس وهم المتضرّر الأكبر".
بدوره قال الباحث الاجتماعي طلال المصطفى، لـ"العربي الجديد"، في تعليقه على ارتفاع معدل الجريمة في مناطق سيطرة النظام والأسباب التي تدفع لها، إنّ "المسألة الأهمّ هي الجانب السياسي، أو النسق السلطوي والسياسي العام. فممارسات النظام، خاصّة خلال السنوات التي تلت الثورة على مرأى من الناس، في الشوارع وعلى الحواجز، والعنف والجرائم التي تُرتكب من قبله أيضاً، تشجّع وتوفر بيئة لارتكاب المزيد من الجرائم. كما أن هناك نسبة كبيرة من السوريين الذين يبرّرون العنف الذي يصل إلى حدّ ارتكاب الجرائم، بحقّ الأبّ أو الأسرة بتأديب الأبناء".
وبعض الجرائم في مناطق النظام، ارتُكبت بدافع التنافس على الملكية ضمن العائلة الواحدة، أو ارتُكبت بحق أطفال من قبل ذويهم، وآخر هذه الجرائم كانت الجريمة التي ارتكبت بحق الطفلة جنى، في مدينة حمص، وفق ما كشفت وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري حيث نُقلت الطفلة إلى مشفى الباسل في حيّ الزهراء في المدينة، وكانت المسعفة والدة الطفلة، وتبيّن وجود آثار تعذيب على جسد الطفلة التي توفيت بعد ساعتين من وصولها إلى المشفى.
واعترفت دانيا، والدة الطفلة، بقيام زوجها أحمد بتعذيب جنى، كونها ابنتها من زوجها الأول. فتعرّضت جنى للضرب بالسكين على أقدامها وبقيت لمدة يومين من دون طعام، كما تعرّضت للضرب بالحزام والعصا من قبل أحمد، وفي 17 فبراير/ شباط، أقدم أحمد على ضربها بالعصا حتى فقدت الوعي، وفارقت الطفلة بعدها الحياة في المشفى.
واحتلّت سورية المرتبة العاشرة عالمياً بمعدل الجريمة وفق موقع "نامبيو"، منذ مطلع العام الحالي، بينما كانت تحتلّ المرتبة 12 على مستوى العالم بمعدل الجريمة وفقاً للموقع ذاته عام 2020، وفي العام 2021 احتلّت المرتبة الـ11. بينما حلّت في المرتبة الثانية في آسيا بمعدل الجريمة بعد أفغانستان، وفي المرتبة الأولى بمعدل الجريمة غرب آسيا.