تشهد تركيا ارتفاعاً في جرائم السرقة والقتل لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالوضع المعيشي، وانتشار السلاح الفردي. وتبقى المرأة من الفئات الأكثر عرضة للعنف.
لا يكاد يمرّ يوم في تركيا من دون أن تثير وسائل الإعلام أو يتبادل مواطنون أخباراً عن وقوع جرائم مروّعة ما بين قتل وسطو وإطلاق نار، ما يطرح تساؤلات حول أسباب ارتفاع نسبة الجريمة في بلد يصفه أهله بـ "بلد القانون".
تلفت تفيدة كان أوغلو، من منطقة درامان في العاصمة إسطنبول، إلى أهمية الرادع الأخلاقي وتحريم التعدي على ممتلكات وحقوق الغير أو "قتل النفس بغير نفس"، والتي ما زالت من أساسيات التربية. في حين تأسف لارتفاع نسبة الجريمة واستسهال القتل.
كانت تربيتها لابنها الوحيد صارمة، ولربما ساهم ذلك في تعزيز سلوكه الحسن، إلا أن التربية الحديثة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية ربما ساهمت في زيادة الجرائم، على حد قولها. ولا ترى أن الغلاء المعيشي يمكن أن يكون مبرراً للسرقة أو القتل، ولا تجد عذراً لمن يتذرع بتلك الأسباب، لأن الشعب التركي اختبر فترات من الفقر وغياب الأساسيات، وكانت أقسى مما تعيشه البلاد خلال العامين الماضيين. لكن عدد الجرائم لم يرتفع.
وتقول: "كان التكافل يزيد والرحمة بين الناس تتعاظم كلما ضاقت سبل الحياة. لكن ما نراه خلال الفترة الأخيرة على شاشات التلفزة من جرائم يثير الخوف".
في 12 سبتمبر/ أيلول الجاري، وقع شجار استخدمت خلاله الأسلحة بين مجموعتين في مقهى داخل أحد المراكز التجارية في منطقة ساريير بإسطنبول، وصفته وسائل إعلامية تركية بـ "الهوليودي" بسبب طول فترة إطلاق النار، وإصابة خمسة أشخاص، حالة بعضهم خطرة.
وقبل يوم واحد، قتل التركي رفاعي كرامان مواطنه محمد ابيك (24 سنة) بطلق ناري في الرأس، كما أطلق النار على والدهالذي (يرقد في العناية المركزة، وذلك في منطقة "سانجاك تبه" في إسطنبول، والسبب بحسب وسائل إعلام محلية، أن الجاني انزعج من الضجة التي أحدثاها خلال تنظيف السجاد على الشرفة.
وفي العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، تصدر عنوان" تركي ينهي حياة زوجته أمام طفلتها بعد يومين من خروجه من السجن" وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإلكتروني، فقد قتل الرجل (49 سنة) زوجته (33 سنة) في مدينة بارتين، عبر طعنها في رأسها وجسدها، وقد فارقت الحياة أمام طفلتها البالغة من العمر 10 سنوات.
وفي التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، كشفت وسائل إعلامية تركية أن مواطناً يدعى أمين أرسلان اعترف بقتل 25 شخصاً، وكان ينوي قتل 20 آخرين في مدينة بولو التركية. وللمصادفة، اعتقل عقب مجيئه إلى السجن لرؤية أحد أقربائه، كونه كان مطلوباً للقضاء لارتكابه جريمة قتل، ليعترف لاحقاً بكل جرائمه.
يقول الباحث التركي هشام جوناي إن الجريمة موجودة في تركيا كما في جميع بلدان العالم. لكن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تنشر على الفور وقائع تلك الجرائم. وهذا لا يلغي أن نسبة الجرائم كبيرة وتتجه إلى الارتفاع. ويعزو الأمر إلى زيادة نسب الفقر والبطالة بين الشباب، ما يولد ضيقاً يدفع إلى السرقة وأحياناً القتل، بالإضافة إلى انتشار الأسلحة النارية. إذ يوجد نحو 25 مليون سلاح فردي، 80 في المائة منها غير مرخصة. ونحو 85 في المائة من جرائم القتل المسجلة خلال العام الماضي تمت بواسطة الأسلحة النارية.
وفي حين لم تصدر إحصاءات رسمية حول عدد الجرائم وأنواعها خلال العام الجاري، إلا أن جرائم السرقة والسطو المسلح والقتل شهدت ارتفاعاً خلال العام الماضي. وحسب إحصائيات مبنية على أرقام القضاء، فقد تم فتح مليونين و461 ملفاً تتعلق بجرائم خلال عام 2021.
وكثرت جرائم قتل السوريين في تركيا مؤخراً بسبب التحريض والعنصرية، وكان آخرها قتل الشاب السوري فارس العلي (17 سنة) على أيدي شبان أتراك بعد خروجه من ملعب لكرة القدم في بلدة نارليجا قرب مدينة أنطاكية.
وتبرز الجرائم ضد المرأة. إذ لم ينس الأتراك بعد قتل تورغاي تورغوت (31 سنة) زوجته زينب تورغوت (25 سنة) وحماته نديم دينجر (56 سنة) في شارع أكينجيلار بمنطقة باغلارباشي بإسطنبول الشهر الماضي، لتصدمهم جريمة مروعة في ولاية شرناق، حيث قتل رجل زوجته وبناته الثلاث وهن نائمات في حديقة المنزل.
وتشير منصة "سنوقف قتل النساء" إلى أن 160 امرأة قُتلنَ في تركيا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، معظمهن على أيدي أفراد من أسرهنّ. وفي عام 2021، بلغ عدد ضحايا القتل 423 امرأة.
وأشارت وكالة "بيانيت" التركية المعنية بحقوق الإنسان إلى ارتفاع عدد ضحايا العنف ضد المرأة، مبينة أن نصف ضحايا العام الماضي قتلن على يد أزواجهن أو أحبائهن، كما قُتلت أكثر من 50 إمراة على يد الوالد أو الابن، بينما قتلت 16 امرأة على يد الجار أو الصديق.
وحسب الوكالة، فقد قتل رجال 150 امرأة بأسلحة نارية، فيما قُتلت 66 امرأة بسكين، وثلاث قُتلن حرقاً، و14 خنقاً، وقضت 5 من جراء الضرب المبرح، وقتلت سبع نساء بعد إلقائهن من الشرفة أو من السيارة أو من مكان مرتفع.