إيطاليا: إلزامية لقاحات كورونا تفيد "الفاشيين"

20 أكتوبر 2021
لافتة تربط جواز التحصين بالنازيين (سامنتا زوتشي/ Getty)
+ الخط -

تطبّق السلطات الإيطالية، منذ إبريل/ نيسان الماضي، قانوناً يلزم الموظفين بتلقي لقاح مضاد لكوفيد-19 من أجل الاحتفاظ بعملهم. وبالتأكيد، يخضع عاملو القطاع الصحي لهذا الشرط، إذ إنّه في مقدّمة القطاعات الحيوية في مواجهة وباء كورونا. لكن ما يلفت الانتباه هو رفض آلاف الأشخاص، من بينهم أطباء وممرضون، الاعتراف بفيروس كورونا الجديد في الأساس وتلقّي اللقاحات ذات الصلة، ما يجعلهم يخاطرون بخسارة أعمالهم، علماً أنّ القانون الإلزامي يتوعّد بإرسال الممتنعين عن عملية التحصين إلى بيوتهم في إجازة بلا أجر لمدّة شهرَين، وصولاً إلى التلويح بفصلهم نهائياً من وظائفهم.
وتُعَدّ إيطاليا من بين أكثر الدول الأوروبية تضرراً من تفشّي فيروس كورونا الجديد في ربيع عام 2020، لكنّ وفاة آلاف وإصابة مئات الآلاف بالوباء، لم تمنعا إنكار الوباء ورفض اللقاحات لاحقاً. وقد تطوّر السجال أحياناً إلى صدامات متكرّرة في الشارع بين المنكرين والشرطة، فيما نظرت المحاكم في شكاوى تقدّم بها مهنيون في مجال الصحة طالبوا بإصدار أحكام تعفيهم من تلقّي اللقاحات، الأمر الذي أزّم العلاقة بين الحكومة ورافضي التحصين. وهو ما يجعل الوضع في إيطالياً مخالفاً للوضع في مجتمعات أوروبية أخرى، أدّت فيها حملات التحصين إلى تشكّل مناعة القطيع المطلوبة لمواجهة الوباء، كما هي الحال في الدنمارك التي أنجزت تحصين نحو 80 في المائة من سكانها، الأمر الذي سمح بعودة الحياة إلى طبيعتها على الرغم من استمرار الحذر ممّا قد تخلقه موجات الإنفلونزا الموسمية بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ومسألة الإنكار تلك في إيطاليا ليست عادية، إذ تشمل آلافاً يخوضون معارك قانونية مع السلطات، بلغت كذلك حدّ توجيه تهديدات بقتل سياسيين بارزين، من بينهم رئيس الوزراء ماريو دراغي، فيما كشفت الشرطة مخططات لافتعال جماعات، تصف إجراءات الحكومة بأنّها "مؤامرة" و"منحى لحكم دكتاتوري للمجتمع"، أعمال عنف وفوضى. وأشارت صحف محلية إلى تعليق عمل 728 طبيباً من دون أجور، وإلى رغبة ممرضين كُثر في التخلي عن مهنهم احتجاجاً على الإجراءات الصارمة.

وعلى الرغم من اتساع نطاق الرفض والاحتجاجات في الشارع، لم تتراجع روما عن مواقفها، ولوحت بإصدار مزيد من القوانين المشددة لرفع معدلات التحصين التي تشهد تراجعاً، علماً أنّ مخططها للتحصين يلحظ رفع عدد الموظفين المحصّنين إلى 23 مليوناً في القطاعَين العام والخاص، من أجل الخروج من مأزق تأخّرها عن حملات باقي الدول الأوروبية. من هنا، يتعيّن حصول ملايين على "جواز كوفيد-19" ساري المفعول بحلول منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تحت طائلة دفع غرامة مالية والتوقيف عن العمل من دون أجر.
وتواكب نقابتا الأطباء والمحامين خطة الحكومة عبر إصدار بيانات تحذّر من فقدان الناس أعمالهم. لكنّ المحامي لوكا كامبانوتو، الذي يقود حملة رافضة للقاحات المضادة لكوفيد-19، يقول إنّ "إجراءات السلطات لا تتعلق بالصحة بل بالحقوق الديمقراطية والأساسية للمواطنين. فالتهديد الذي يمثّله فيروس كورونا الجديد ليس كبيراً بدرجة كافية لتبرير التضييق على حريات الناس ووسائل كسب قوتهم".

معارضون لإلزامية اللقاح في روما (أندرياس سالورو/ فرانس برس)
معارضون لإلزامية اللقاح في روما (أندرياس سالورو/ فرانس برس)

وتخلق إلزامية اللقاح أزمة ثقة بين السلطات ومجموعات مجتمعية، في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا ودول أخرى، ترى أنّ "هذا التصرف ينسف مبادئ الديمقراطية وحرية المواطنين في الاختيار وتحديد مصيرهم". وقد شهدت دول عدّة صدامات في الشارع اندلعت بين مجموعات مشككة باللقاحات وجدواها وبين أجهزة الأمن، علماً أنّ الحكومات والسلطات الصحية تشدّد على أنّ الإجراءات الإلزامية "تهدف إلى حماية كل المجتمع، ولا تخضع لمزاج مجموعات تؤمن بنظرية المؤامرة".
واللافت أن حكومة دراغي الليبرالية تفرض حصول كل مواطن على "جواز كوفيد-19" ساري المفعول، مع ربطه بإجراء اختبار خاص بالفيروس نتيجته سالبة، حددت ثمنه بـ15 يورو (17.3 دولاراً أميركياً)، صالح لمدة 72 ساعة فقط، علماً أنّ هذا الفحص مجاني في معظم دول الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر يغضب الإيطاليين المرهقين من جرّاء تزايد مصاريفهم الشهرية، علماً أنّ ملايين منهم لا يتجاوز متوسّط دخلهم الشهري ألف يورو (نحو 1160 دولاراً)، من بينهم عمّال في مطاعم ومقاه وقطاعات خدمات وصناعة وصفوا قرار الحكومة بأنّه "عقوبة لرافضي اللقاحات". 
وتتوفّر اللقاحات في إيطاليا، لكنّ الحكومة تظنّ أنّ عملية التحصين تسير ببطء شديد، الأمر الذي يخالف توقعاتها بإتمامها في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وقد عثرت الشرطة، في شهر أغسطس/ آب الماضي، على أسلحة ومفرقعات خلال حملة أمنية استهدفت ناشطين مناهضين لتلك اللقاحات، وأوقفت ثمانية من هؤلاء بتهمة "تخطيط لأعمال إرهابية تستهدف سياسيين ومشرّعين"، من بينهم وزير الخارجية لويجي دي مايو الذي ينتمي إلى حركة "خمس نجوم" اليمينية، والذي يصفه الناشطون بأنّه "جرذ يجب التخلّص منه". كذلك تعرّض علماء أوبئة وفيروسات وصحافيين، شجّعوا الناس على تلقّي لقاحات، إلى اعتداءات جسدية ولفظية وتهديدات بالقتل، ما دفع دراغي إلى القول إنّ "ما تنفّذه المجموعات المحتجة على سياسات الحكومة عمل عنيف وبغيض". 

ويصف معارضو اللقاحات سياسيّي روما بأنّهم "نازيون"، فيرفعون في تظاهراتهم لافتات عليها الصليب المعقوف وعبارات تتهم السياسيين بممارسة الدكتاتورية، ويتحدّثون عن نظريات مؤامرة من بينها أنّ "النخبة الإيطالية تستفيد مالياً من نشر الذعر في ما يتعلّق بموضوع كورونا وتسويق لقاحات له". وهو ما يفعله المحامي المثير للجدل فيتو كلوت مع شخصيات أخرى تنقل اتّهاماتها إلى أبعاد أقسى وأعمق عبر زعم "إخفاء مئات الوفيات بعد تلقّي لقاحات". ولا يتردد بعض المعارضين في التلاعب بمشاعر الإيطاليين قبل الانتخابات المقرّرة في نهاية العام الجاري، وقد رشّح محامون وأطباء من معارضي اللقاحات أنفسهم بأمل الفوز استناداً إلى مواقفهم.
وعموماً، تدعم الأحزاب السياسية بمعظمها فرض الحكومة إلزامية التحصين، باستثناء حركة "إخوة إيطاليا" الفاشية بزعامة جورجيا ميلوني التي تؤيّد نظرية المؤامرة وتستمرّ في جذب الفئات الرافضة والمتأثرة مالياً. وتشير استطلاعات للرأي إلى ارتفاع نسبة مؤيّدي الحركة إلى نحو 21 في المائة.
وتشير إحصاءات رسمية تتعلق بكورونا إلى تحصين نحو 69 في المائة من السكان بجرعتيَن حتى الآن، علماً أنّه في سبتمبر/ أيلول الماضي سُجّل ما بين 200 ألف و300 ألف جرعة يومياً، في حين أصيب نحو 4.6 ملايين مواطن بالوباء وتوفّي نحو 130 ألفاً، مع الإشارة إلى أنّ معدّل الوفيات يناهز 50 وفاة يومياً حالياً.  

المساهمون