عرفت أسرة فاطمة (8 سنوات) أن ابنتها مصابة بمرض ضمور العضلات الشوكي (SMA) بعدما أكملت العامين ونصف العام من العمر. يوماً بعد يوم، تتدهور حالتها الصحية وتصير قدرتها على الحركة أكثر صعوبة. كما أنّ عمودها الفقري بات يضغط على رئتيها ويجعلها تتنفس بصعوبة بالغة.
تقول والدة فاطمة إنّ الأعراض بدأت تظهر عليها رويداً رويداً، وأصبح جسدها يرتخي وتضعف حركته قبل أن تكمل عامها الأول. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد" أنّ العائلة علمت بعد أكثر من سبعة أشهر من مراجعة عدد من الأطباء أنّ ابنتها مصابة بهذا المرض، مشيرة إلى أنّ "المعلومات عن المرض قليلة جداً بين الأطباء. لذلك، يستغرق التشخيص وقتاً ويحتاج إلى طبيب متخصص في أمراض الدماغ والجهاز العصبي، والذي استطاع أخيراً تشخيص إصابة ابنتها بضمور العضلات الشوكي".
وضمور العضلات الشوكي مرض جيني وراثي يجعل العضلات ضعيفة، ويسبب للمصاب مشاكل في الحركة، ويزداد تفاقم المرض مع الوقت، ولا يوجد علاج حالي للمرض، لكن هناك علاجات تساعد المريض على التعامل مع الأعراض وتحسين حياته.
ويقول طبيب الدماغ والجهاز العصبي، محمود رضا أشرفي، إنّ للمرض خمسة أنواع تعد الأكثر انتشاراً وخطراً، من بينها ما يطلق عليه النوع الصفر من ضمور العضلات الشوكي، مشيراً إلى أن الإصابات بهذا النوع تشكل 50 في المائة من مرضى ضمور النخاع الشوكي، موضحاً أنّ المصابين به يموتون خلال أسابيع بعد الولادة. وتؤكد والدة فاطمة أنّ "مصيبتنا بدأت بعدما علمنا أنّ لا علاج للمرض، ولا دواء في إيران"، مشيرة إلى أنّ "الأدوية تنتج في أميركا وسويسرا لكنّ سعرها مرتفع للغاية وتصل أحياناً إلى ملايين الدولارات". وتقول إنّ العقوبات الأميركية تمنع العائلات الإيرانية التي لديها أطفال مصابون بهذا المرض من الوصول إلى تلك الأدوية، لافتة إلى أنّ أسعارها بالريال الإيراني زادت ستة أضعاف بالمقارنة مع ما كان عليه الحال قبل أربع سنوات.
من جهته، يقول الصيدلاني لقمان ستودة، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إنّ هناك ثلاثة أدوية تحدّ من ضمور العضلات الشوكي، مشيراً إلى أن الدواء الأول هو سبينرازا (Spinraza) وهو من صناعة شركة "بيوجين" الأميركية، وهو العلاج المعتمد الذي قد يقدم الأمل لبعض الأطفال والبالغين الذين يعانون من ضمور العضلات الشوكي. يضيف أنّ "هذا الدواء عبارة عن مجموعة حقن يتم وخزها في القناة الشوكية"، مشيراً إلى أنّه "الأغلى في الولايات المتحدة وتصل كلفته في العام الأول إلى نحو 750 ألف دولار والأعوام التي تليه إلى نحو 500 ألف دولار".
والدواء الثاني هو دواء "ريسديبلام" (risdiplam) من إنتاج مختبرات "جينينتيك" التابعة لشركة "روش" السويسرية، ويستخدم لوقف تقدم المرض. وبعد فترة، يمكن أن يعود الطفل إلى الحياة تدريجياً من خلال إعادة التأهيل، كما يقول ستودة. يضيف أنّ الدواء الثالث يستخدم لعلاج البالغين والرضع (شهران على الأقل)، وهو زولجنسما (Zolgensma) ويعطى مرة واحدة. طورته شركة Novartis للأدوية، ويعد أغلى عقار في العالم. ويلفت ستودة إلى أن الدواء يكلف العائلات سنوياً نحو 300 ألف دولار، وتصل كلفته الكاملة إلى نحو مليوني دولار.
ونظّمت عائلات الأطفال الإيرانيين المصابين بضمور النخاع الشوكي، مؤخراً، احتجاجاً أمام البرلمان استمر أياماً عدة. وناشدت السلطات باستيراد أدوية علاج المرض إلى إيران، مشيرة إلى عجزها عن توفير تكاليفها. ولاحقاً، حضر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى التجمع، واستمع إلى شكاوى أسر هؤلاء المرضى، واعداً إياهم بمتابعة وحلّ مشاكلهم.
من جهته، يقول رئیس مركز إدارة زراعة الأعضاء في وزارة الصحة والعلاج والتعلیم الطبي مهدي شادنوش إن الوزارة لم تستورد سابقاً أدوية هؤلاء المرضى في ظل تكاليفها الباهظة، مع إعلانه أن الحكومة الإيرانية في اجتماع لها، بأمر رئاسي، خصصت موازنة لاستيراد كمية منها لفترة علاجية تمتد ستة أشهر. يضيف أنه بعدما تثبت نجاعتها على اعتبار أنّها حديثة، يمكن أن يستمر استيراد الأدوية، مشيراً إلى تسجيل وزارة الصحة 500 مريض مصاب بالمرض.
وبحسب تقارير طبية إيرانية، هناك مليونا إيراني ناقلون لجين المرض. ومن بين 40 إلى 50 إيرانياً يحمل إيراني واحد هذا الجين. من جهة أخرى، فإنّ تكاليف فحوصات تشخيص الجين الذي يسبب المرض مرتفعة في إيران، وتبلغ نحو 400 دولار. لذلك، يتهرب الناس منها، كما يقول رئيس مركز علم الوراثة بجامعة العلوم الطبية في أصفهان صادق وليان. يضيف أنّ عينات الفحص ترسل إلى مختبرات في دول أوروبية، وتظهر النتائج ما إذا كان الزوجان ناقلين لجين المرض.
ودفعت تكاليف العلاج الباهظة بعض الأسر إلى إطلاق حملات على شبكات التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات. وأطلقت عائلة الطفلة دلارا هذه الحملة، وانتشرت الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي التي خلقت تعاطفاً وتضامناً من قبل المواطنين. وساهمت الحملة في التوعية بمرض ضمور العضلات الشوكي.
بموازاة الحملة، سجلت عائلة دلارا اسمها ضمن قائمة شركة هولندية تختار بالقرعة مريضاً لمنحه دواء زولجنسما (Zolgensma) مجاناً، ليحالفها الحظ، بالإضافة إلى طفلة إيرانية أخرى تدعى سارة فازن، بالدواء في وقت لاحق.