لا تملك السلطات الصحية في العراق أرقاماً محددة لأعداد مرضى التوحد، كما لا تستطيع تحديد مؤشرات لتزايد المرض أو تراجعه، لكن انتشار معاهد ومراكز خاصة بعلاج المرض في أنحاء البلاد يظهر على أرض الواقع حقيقة المشكلة التي أدخلت صراعات نفسية ومالية إلى بيوت كثيرة، في ظل ضعف الرعاية الحكومية لهذه الشريحة.
وتحتل العاصمة بغداد ومدن البصرة والموصل وكركوك الصدارة في عدد المصابين بمرض التوحد، بحسب ما يقول مسؤول في وزارة الصحة لم يكشف اسمه لـ"العربي الجديد"، والذي يوضح أن "المدن الأربعة هي الأكثر احتضاناً للسكان، وتشهد مشاكل تلوّث كبيرة تعتبر بين العوامل الأساسية لتوسّع المرض داخل المدن الكبرى".
ولا يوجد في بغداد، التي تضم أكبر كثافة سكانية في العراق ويسكنها 9 ملايين شخص، إلا مركز حكومي واحد لعلاج مرضى التوحد، ما يضطر العائلات إلى التوّجه إلى مراكز خاصة ذات تكاليف علاج باهظة من أجل الحصول على رعاية وتدريب.
وفيما يُعرف مرض التوحد بأنه اضطراب يؤثر في قدرة شخص على إدراك العالم حوله، والتعامل مع الآخرين، تقول مديرة معهد "الصفا" الخاص لرعاية مرضى التوحد في بغداد رفاه جاسم، لـ"العربي الجديد": "ترتفع نسب اضطراب التوحد في العراق، ما زاد إلى 85 عدد المعاهد الخاصة التي منحت تراخيص لتقديم العلاج، منها 8 في الرصافة شمالي بغداد، علماً أن معهد الصفا كان الثاني الذي افتتح في البلاد عام 2010، وهناك معاهد خاصة أخرى افتتحت أخيراً لرعاية مرضى التوحد، لكنها لا تخضع لمراقبة ومتابعة من الجهات الحكومية، وتتبنى بالتالي حالات من دون امتلاك رخص رسمية".
تتابع: "تختلف المبالغ المالية التي يدفعها أهالي أطفال التوحد بحسب الحالات الاجتماعية وظروف عيشها، لكن الأجور الطبيعية للعائلات ذات الدخل المعتدل تتراوح بين 250 و500 ألف دينار عراقي (170 و325 دولاراً)، بحسب البرنامج الذي يحتاجه كل طفل. كما تنظم المعاهد تدريبات فردية وأخرى جماعية بدوامين محددين من الثامنة صباحاً والواحدة ظهراً، ومن الواحدة ظهراً حتى الخامسة عصراً، ومعهد الصفا يستمر في تبني الأطفال وتدريبهم حتى بلوغهم سن الـ15".
ويتحدث، لـ"العربي الجديد"، الدكتور أسامة الساعدي، المسؤول عن مشاريع طبية خيرية تديرها "العتبة الحسينية" في العراق وتشرف على 11 معهداً وأكاديمية لرعاية أطفال التوحد في بغداد وباقي المحافظات. ويشير إلى أن "العتبة الحسينية" تقدم خدمات صحية مختلفة لأكثر من 1200 طفل. ويلفت إلى وجود أطباء في مجالات مختلفة ومتخصصين في الطب النفسي والعصبي وعلاج النطق والسلوك، وإنشاء أقسام للعلاج الحسي والحركي في الماء من خلال مسابح.
ويقول أخصائي علاج مرضى التوحد في بغداد الدكتور فريد إسماعيل، لـ"العربي الجديد": "تخضع غالبية أطفال التوحد لتدريب وتأهيل، وهم لا يتعافون تماماً، بل يروضون على صعيد السلوك ويجرى تعليمهم النطق".
ويروي المهندس علي الطائي الذي يسكن في مدينة كركوك شمالي العراق، لـ "العربي الجديد"، معاناته مع مرض التوحد الذي أصاب ابنه، ويقول: "اكتشفت حالة ابني حين بلغ عامين ونصف عام من خلال ضعف الحركة وقلة النطق والتصرفات غير الاعتيادية بخلاف الحال الصحية لأخيه التوأم. وقد توجهت حينها إلى أحد مركزين حكوميين في كركوك، وأحدها مستشفى للأطفال، لكنني شعرت بيأس من حصول ابني على علاج مناسب بسبب الإهمال، وعدم وجود أخصائيين يتمتعون بخبرة كبيرة، ثم بدأت أبحث عن مراكز علاج خاصة، والتي أقدر بأن عددها 8 في مدينة كركوك ".
ويشير إلى أن" المراكز الخاصة تتمتع بخبرات ومعرفة أكبر في كيفية التعامل مع أطفال التوحد، خصوصاً بوجود أخصائيين أجانب ومصريين، لكن تكاليف العلاج باهظة وتصل إلى 500 دولار شهرياً. وقد اضطررت إلى الانتقال إلى مركز آخر تديره أم لطفل يعاني من التوحد ايضاً، لذا تعتبر أكثر مراعاة للحالات الإنسانية والظروف المعيشية للأهالي، علماً أنها تملك أيضاً خبرة جيدة في التعامل مع الحالات، ما سمح بتحسن الحال الصحية لابني داخل هذا المركز ".
بدورها، تقول نهلة النداوي، التي يعاني ابنها أحمد من مرض التوحد، لـ"العربي الجديد": "لم أعثر خلال مراحل علاج ابني على طبيب متخصص في العراق، والمعاناة كبيرة للمصابين بمرض التوحد وذويه بسبب عدم تبني الحكومة الحالات ".