تنشر "العربي الجديد" بالتعاون مع منظمة "أطباء بلا حدود" شهادة أدريان غواداراما خلال تنقّله أخيراً بين مخيّمات اللاجئين في كينيا الواقعة على الحدود مع الصومال.
يروي أدريان غواداراما، نائب مدير برامج منظمة "أطباء بلا حدود" في كينيا الذي يتّخذ من جنيف مقرّاً له، تجربته هناك. فيقول: "خلال وجودي في داغاهالي في أواخر مارس/ آذار من العام الجاري، وبينما كنت في أحد المخيّمات الثلاثة التي يتألف منها مجمّع داداب للاجئين، بدأت أنباء دعوة كينيا إلى إغلاق مخيّمَي داداب وكاكوما بالانتشار. والجدير ذكره أنّ المخيّمَين معاً يُؤويان نحو نصف مليون لاجئ. وفي غضون أسبوعين، كان على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحديد مصير هؤلاء، أو بمعنى آخر وضع خطة إغلاق تدريجي للمخيّمات. خطةٌ من شأنها أن تضع حياة اللاجئين وسلامتهم على المحك إذا ركزت على إخراجهم من المخيّم بشكل يتعارض مع رغباتهم. يُذكر أنّه في الوقت الراهن، عطلت المحكمة العليا الكينية أيّ إجراء يدعو إلى إغلاق المخيّمات على نحوٍ مفاجئ، لكن بالنسبة إلى اللاجئين تبقى الدعوة إلى الإغلاق تلوح في الأفق على نطاق واسع".
يضيف غواداراما "تخيّل أنّك في داداب، تجلس في منطقة نائية شمال شرقي كينيا بينما تحيط بك الرمال الحمراء والأشجار الشوكية من كل حدب وصوب، لا تعرف ما سوف تؤول إليه الأمور أو ما سوف يحل بمستقبلك، تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية الآخذة في التقلص، وترعبك فكرة العودة إلى الصومال، ذلك الوطن الذي تركه والداك قبل ثلاثة عقود، الوطن الذي يجهله كثر من اليافعين الساكنين في المخيّم. لقد باتت فرص البقاء على قيد الحياة ضئيلة جداً في الصومال، لا سيّما في ظل مناخ غير متوقع تتخلله موجات جفاف وفيضانات وأعمال عنف ما انفكت تتزايد منذ الفرار من البلد". ويلفت غواداراما إلى أنّ "الدعوات السابقة لإغلاق المخيمات، لا سيما مخيم داداب، جاءت على خلفية هجمات إرهابية على كينيا. ووردت مزاعم غير مؤكدة توجّه أصابع الاتهام نحو المخيمات، الأمر الذي يزيد من وصم اللاجئين. لكنّ تجدد قرار كينيا بالتسرّع في إغلاق المخيمات جاء على حين غرّة، ويبدو قراراً متهوراً ويفتقر إلى الحكمة والاحترام. ففي ظل تفشي فيروس متحوّر، ومع تصاعد هشاشة الوضع في الصومال، أقل ما يقال في هذا القرار إنّه طائش ويتنافى مع ممارسات الصحة العامة الجيدة وممارسات حقوق الإنسان، علماً أنّه سوف يفضي إلى عواقب وخيمة على اللاجئين ما لم تفكر كينيا ملياً في كيفية تطبيقه. أن تكون لاجئاً في كينيا اليوم يعني أن تجلس متفرجاً فيما يحدد أطراف آخرون ما سوف تؤول إليه حياتك".
ويؤكد غواداراما أنّه "على الرغم ممّا سبق، لا يمكن نكران كرم كينيا الهائل في استقبالها مئات آلاف اللاجئين، فيما نشهد تناقضاً صارخاً من قبل دول غنية عديدة أمعنت في انتهاك حقوق اللاجئين بأساليب غير مباشرة. بالتالي، لا يمكن أن تؤدّي هذه الأزمة وإغلاق المخيّمات إلى نهاية التضامن الذي أظهرته كينيا عندما استقبلت اللاجئين". يتابع "في الواقع، من الصعب تبرير قرار كينيا سحب البساط من تحت أقدام اللاجئين وتركهم مقطوعي السبل من دون خيارات تمكّنهم من العيش بكرامة وأمان وحرية. لكنّنا نتفق مع كينيا على أنّ مخيّمات اللاجئين لا تشكّل حلاً للجوء، لا سيّما أنّه امتد على ثلاثة عقود. ولهذا السبب بالتحديد، نواظب في الدعوة إلى إيجاد حلولٍ مستدامة لأزمة اللاجئين".
ويوضح غواداراما أنّه "في إمكان كينيا دعم اندماج اللاجئين في المجتمعات المحلية عبر مشروع القانون الخاص باللاجئين الذي يُناقَش في البرلمان الكيني. فمن شأن إقرار هذا الأخير وتطبيقه تسهيل تنقل اللاجئين ومساعدتهم على كسب لقمة عيشهم والوصول إلى الخدمات العامة. في نهاية المطاف، سوف يتمكّن اللاجئون من اتخاذ القرارات وتوجيه حياتهم، حتى أنّهم قد يتحلون بالشجاعة ويساعدون في إثراء المجتمع الكيني إذا توفرت شبكة أمانٍ يستطيعون الاستناد إليها. فليس بمقدور كينيا أو من واجبها تحمّل كل هذه الأعباء بمفردها. فوباء كورونا أثّر على كينيا بصورة شديدة على غرار بلدان عديدة، إذ تراكم الدَين العام، ما أوقعها في خطر العجز عن تسديد ديونها. وسوف يكافح كينيون كثر في الأشهر أو الأعوام المقبلة حتى مع انتعاش ملحوظ في الاقتصاد".
وإذ يقول إنّ "عدداً قليلاً فقط من الحكومات يوفّر الدعم الإنساني للاجئين الساكنين في المخيمات"، يبيّن غواداراما أنّ "التمويل الإنساني آخذ في التراجع، إذ أُعلن عن انخفاضٍ حاد فيه، ما دفع ببرنامج الغذاء العالمي إلى تقليص الحصص الغذائية بنسبة 60 في المائة تقريباً". ويشدد غواداراما على أنّه "لا بدّ من أن تتحمّل الحكومات الغنية حصتها من المسؤولية. يجب أن تزيد التمويل الإنمائي بصورة عاجلة لمساعدة كينيا على توسيع خدماتها العامة، فيساهم ذلك في دمج اللاجئين في المجتمعات المحلية مع توفير مستويات كافية من الدعم الإنساني في انتظار تحقيق الحلول المحلية بالكامل". يضيف غواداراما "وقد حان الوقت كذلك بالنسبة إلى المؤسسات متعددة الأطراف كالبنك الدولي لتحفّز البحث عن حلول دائمة للاجئين. يجب أن تتكاتف المؤسسات مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتبذل جهوداً بلا هوادة في سبيل جمع المشرّعين والسلطات الكينية على طاولة المفاوضات ووضع مسار اندماج اللاجئين في المجتمع المحلي. مع ذلك، لا يجب أن يتحوّل تعزيز الدمج المحلي إلى عقد تلزيم خارجي للحكومات الغنية، فقد تعمد هذه الأخيرة إلى استبدال مسؤولياتها في ما يتعلق باستقبال اللاجئين بمدفوعات متقطعة. وفي هذا الإطار، سجّلت عمليات إعادة التوطين انخفاضاً قياسياً في العام الفائت. لذلك، يجب على الحكومات الغنية تسهيل عمليات إعادة التوطين ودعمها على وجه السرعة فضلاً عن إرساء مسارات جديدة للاجئين. وبما أنّ تطبيق بروتوكولات التشخيص أصبحت ممكنة، لا يمكن التذرّع بكوفيد-19 بعد الآن. وفي بادئ الأمر، يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تنشيط جهودهما لإرساء السلام وتعزيز الاستقرار في الصومال. فإن دلّ استمرار قيام مخيم داداب لثلاثة عقود على شيء، فإنّما يدلّ على فشل مبادرات السلام في هذا البلد".
ويكمل غواداراما أنّ "أخبار إغلاق المخيّمات في داداب قد تكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير، إذ يهدد هذا الإغلاق بكسر صمود اللاجئين. ويأتي هذا القرار في وقت يعاني فيه لاجئون كثر من أعراض متعلقة بالصحة النفسية، لا سيّما مع غياب أيّ تقدم في إيجاد حلول مستدامة للأزمة. يُذكر أنّه في عام 2020، أقدم ثلاثة أشخاص على الانتحار في حين سُجّلت محاولات انتحار بين 25 آخرين في داغاهالي حيث تقدّم منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الصحية منذ أكثر من عقد".
ويخبر غواداراما "سألت أحد اللاجئين في مخيّم داداب كيف يرغب في أن يكون الفصل الأخير من حياته في المخيّم، فما كان منه إلا أن أجاب: كل ما أريده هو أن أعيش بسلام. فحلم هؤلاء اللاجئين بترك داداب صار حلمي كذلك، لكن لا يمكننا تحقيق هذا الأخير بأيّ ثمن. عندما يحين الوقت لترك داداب، يجب أن يحصل ذلك بمحض اختيار اللاجئين، مع ضمان كرامتهم وصحتهم وحريتهم".