ينذر مشروع قانون الجنسية والحدود الذي يناقشه مجلس اللوردات البريطاني (المجلس الأعلى للبرلمان) حالياً لمنع المهاجرين من الوصول إلى البلاد، بتغييرات مهمة قد تتجاوز نتائجها تلك لمشروع قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست) الذي أثر على 4 ملايين مواطن من الاتحاد الأوروبي.
ويشكل القانون الذي قدمته الحكومة في يوليو/ تموز 2021 جزءاً من قانون شامل للهجرة يرى محللون أنه سيغلق الباب في شكل فعّال على الأشخاص اليائسين الذين يصلون إلى المملكة المتحدة، و"هو ما رأيناه سابقاً في المخطط الخاص بالمهاجرين السوريين، وخطة إعادة توطين المواطنين الأفغان التي جرى تقييدها، وعدم الموافقة على تعديل يتعلق بالأطفال غير المصحوبين بذويهم".
تقول المحامية المتخصصة في قضايا الهجرة جاكلين ماكينزي، التي كانت عضواً في المجموعة الاستشارية المستقلة التي قدمت تقرير فضيحة "جيل ويندروش" في مارس/ آذار 2020، وأدى إلى اعتذار رسمي من وزارة الداخلية، لـ"العربي الجديد": "أحد البنود الفظيعة للغاية في مشروع القانون هو اقتراح التعامل مع طالبي اللجوء في مراكز تحتضنها دول خارجية مثل رواندا وألبانيا، رغم أن البلدين نفيا وجود أي ترتيبات خاصة مع الحكومة البريطانية في هذا الشأن، ورغم إدانة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا الأمر".
وتشير ماكينزي إلى أن "الحكومة البريطانية لا تزال تدرس نماذج المراكز الخارجية للتعامل مع طالبي اللجوء، رغم التقارير الكثيرة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يشهدها مركز الهجرة الوحيد في ألبانيا، وتسليط الضوء عليها، وبينها الاعتداءات الجنسية التي عانى منها المهاجرون في المراكز البحرية الأسترالية، وتسببت في وفيات". وتكشف أن وزيرة الداخلية بريتي باتيل "تبحث عن أي مكان على الخريطة لنقل المهاجرين إليها، بينها غانا التي أنكرت في منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري إجراء محادثات مع الحكومة البريطانية".
وفيما طرحت لندن مشروع القانون "لإيقاف مهربي البشر والأشخاص الذين يعبرون بحر المانش في قوارب صغيرة"، وبينهم عدد كبير من ذوي البشرة السمراء، تشير بيانات مجلس العموم البريطاني (البرلمان) إلى أن المملكة المتحدة تلقت 29,456 طلب لجوء عام 2020، وأن 27,000 شخص وصلوا على متن قوارب عبرت المانش عام 2020.
تهديد الآسيويين والسود
وكانت صحيفة "نيو ستيتسمان" قد كتبت في تقرير نشرته في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن "البند التاسع من مشروع القانون الذي يسمح بنزع الحكومة البريطانية الجنسية يثير جدلاً كبيراً، باعتباره يهدد مواطنة حوالى 6 ملايين بريطاني، ونحو نصف البريطانيين الآسيويين و39 في المائة من المواطنين السود".
وتعلّق ماكينزي بالقول إن "البند التاسع تحديداً يمنح الحكومة سلطة تجريد الجنسية من دون سابق إنذار، وهو غير أخلاقي وتمييزي لأنه يجعل بعض أشكال المواطنة أقل قيمة من غيرها، خصوصاً في حال الوصول إلى جنسيات الوالدين والأجداد. لكن الحكومة تشدد على أن هذا البند ضروري ويستهدف الإرهابيين ومجرمي الحرب، وسيستخدم في ظروف استثنائية".
تضيف: "يمنح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في الجنسية، لكن الحكومة البريطانية تقول إنه إذا امتلك شخص جنسية أخرى فقد يكون في خطر. وفي قضية شميمة بيغوم (التي ولدت في المملكة المتحدة من أبوين ذوي أصول بنغالية، ثم غادرت إلى سورية حين كانت في سن الـ15، وانضمت إلى تنظيم داعش الذي جعل وسائل الإعلام البريطانية يطلق عليها اسم عروس داعش)، فقد جرّدت من جنسيتها من دون أن تتهم بارتكاب أية جريمة، ما يعني أنه لا يمكن أن نثق بالحكومة رغم أنها تكرر بأنها لن تجرّد الأشخاص الملتزمين بالقانون من حق المواطنة. وقد رحّلت فعلياً أشخاصاً لم يدانوا بارتكاب جرائم بخلاف قانون الحدود الصادر عام 2007".
وتشدد ماكينزي على "عدم قانونية منع الناس من عبور القناة، فاتفاق اللاجئين الصادر عام 1951 يمنح الأشخاص الحق في طلب اللجوء في دول أخرى غير الدولة الآمنة الأولى التي يصلون إليها. وقد أصدرت محكمة الاستئناف قرارات لصالح الأشخاص الذين اعتُبر أنهم انتهكوا القانون في هذا الصدد حتى ديسمبر/ كانون الأول 2021، كونهم لا يخالفون القانون الدولي ولا قانون الهجرة الصادر عام 1971 والذي يتطلب تقديم وثيقة سفر، وهي النقطة التي تستخدمها السلطات البريطانية لإعلان الخروقات. ففي القانون الدولي، تلتزم حكومة المملكة المتحدة حماية الأشخاص في البحر، ما يجعل فكرة تطبيقها تدابير لتغيير مسار القوارب الذي يعرّض الأرواح لخطر غير قانونية".
وتشدد ماكينزي على أن "لا أساس قانونياً لقرارات وزارة الداخلية ترحيل طالبي لجوء إلى سورية واليمن وأفغانستان، فهذه الدول مصنفة بأنها غير آمنة". وفي شأن تأثير الانسحاب من الاتحاد الأوروبي "بريكست" على المهاجرين، تقول: "يشمل التأثير كل مجالات قانون اللجوء والهجرة والجنسية في شكل مختلف تماماً، ويتطلب شرحه أطروحة، لكن ما نراه حالياً هو مخالفة عدد من مواطني الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة قواعد ما بعد بريكست. وقد حُرم بعض اللاجئين من الوضع المسبق والمستقر، كما واجه آخرون ممن غادروا المملكة المتحدة لقضاء العطلات صعوبات في العودة".
وتوضح ماكينزي أنها دافعت دائماً عن العفو عن أي شخص قضى في المملكة المتحدة عشر سنوات من دون وثائق، وكذلك عن حقوق طالبي اللجوء في العمل بمجرد قبول معالجة طلباتهم.
في السياق، يقول حسين حمود (26 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أعيش في بريطانيا منذ نحو عشر سنوات، رغم أن السلطات رفضت طلب لجوئي. أنا عالق في بريطانيا من دون أية حقوق مواطنة، منذ أن رفضت وزارة الداخلية طلب لجوئي بحجة نقص الأدلة التي تثبت أنّ حياتي في خطر في حال عودتي إلى بلدي". يضيف: "حياتي مجمّدة. لا أستطيع العودة إلى بلدي، ولا أستطيع ممارسة حياتي في شكل طبيعي".
تمزيق المبدأ الإنساني
من جهتها، تقول مديرة السياسة والدعوة في المجلس المشترك لرعاية المهاجرين زوي غاردنر لـ"العربي الجديد": "مشروع قانون الحدود الذي يناقشه مجلس العموم سيمزق المبدأ الإنساني للحماية، ويجرّم أي شخص يشق طريقه إلى المملكة المتحدة بحثاً عن الأمان وحياة جديدة. الحكومة تستخدم اللاجئين كلعبة سياسية، إذ توحي بإساءة معاملتهم كوسيلة لجذب عناوين الأخبار وصرف الانتباه عن فضائحها، ولن يحل مشروع قانون الحدود الجديد الخطير المشاكل الحقيقية لنظام اللجوء الحالي".
وتلفت إلى أن "أخذ تدابير لتوفير مزيد من خيارات السفر المنظمة والآمنة للأشخاص الذين يرغبون في بدء حياة جديدة في المملكة المتحدة، تساعد الناس في تجنب المخاطرة بحياتهم. لكن بدلاً من إيجاد هذه الحلول تتطلع الحكومة إلى معاقبة الأشخاص المستضعفين عبر تجريمهم ووضعهم في مراكز احتجاز وترحيلهم".
مقاومة القومية
ويتحدث الدكتور في جامعة كامبريدج، علي مغجي، لـ"العربي الجديد"، عن أن "مشروع قانون الجنسية والحدود في المملكة المتحدة هو الأحدث لحكومة محافظة دفعت بأجندة مناهضة للاجئين منذ أن وصلت إلى السلطة. ويشكل القانون في الأساس محاولة لتحويل العديد من الأقليات البريطانية من مواطنين إلى مهاجرين يمكن تجريدهم من جنسيتهم حسب رغبة الدولة استناداً إلى المادة التاسعة من القانون التي تعاقب فعلياً حوالي 6 ملايين شخص في بريطانيا غالبيتهم من الأقليات السوداء أو الآسيوية أو خلفيات من أوروبا الشرقية".
ويتابع: "يشاع أن رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون سيمنح القوة العسكرية لإبعاد أولئك الذين يلتمسون اللجوء إلى إنكلترا عبر قناة المانش، بينما تعمل باتيل لتعزيز التكنولوجيا المعادية للاجئين، مثل دوي اختراق الصوت، لردع أولئك الذين يلتمسون اللجوء في بريطانيا". ويلفت إلى انّه بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، باتت بريطانيا تستطيع تقليص العديد من قواعد الهجرة، لكن هذا لا يعني أن دول الاتحاد الأوروبي أكثر كرماً مع المهاجرين من المملكة المتحدة.
ويعتبر أن "الجميع يجب أن يشعر بقلق من الاستبداد المتنامي للحكومة البريطانية، بعدما اجتمع اليسار واليمين حول السياسات والمشاعر المناهضة للمهاجرين واللاجئين. والحملة ضد مشروع قانون الجنسية والحدود في المملكة المتحدة معركة واحدة، لكنها جزء من مشروع سياسي أوسع بكثير من القومية العلنية التي يجب مقاومتها".
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، عارضت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مشروع القانون البريطاني، في وقت تشير فيه إحصاءات إلى أن أكثر من 70 في المائة من الأشخاص الذين يصلون عبر قوارب صغيرة إلى بريطانيا يأتون من خمسة بلدان، هي إيران والسودان وسورية والعراق وفيتنام، علماً أن أفغانستان تحتل المرتبة السابعة بعد إريتريا.
ولا تشير المقارنات الدولية إلى مواجهة المملكة المتحدة طلبات أكثر من أي مكان آخر، وهي تحتل المرتبة 17 في طلبات اللجوء لكل فرد من السكان مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوروبي الـ 27.
ويفيد الموقع الرسمي لوزارة الداخلية البريطانية بأن حوالي 13 ألف لاجئ دخلوا أماكن الاحتجاز في مارس/ آذار 2021، أي أقل بنسبة 44 في المائة عن العام السابق. وشكّل الإيرانيون غالبية المحتجزين بنسبة 14 في المائة من إجمالي عددهم، وبعدهم الألبان، بينما شهدت معظم الجنسيات الأخرى انخفاضاً في عدد الوافدين، في حين زاد عدد السوريين أربعة أضعاف وصولاً إلى 580، والسودانيين إلى 574.