بدأت الجامعة اللبنانية (الجامعة الحكومية) بمختلف فروعها وكليّاتها ومعاهدها إضراباً مفتوحاً منذ يوم الخميس الماضي، وتوقف التعليم والعمل الإداري بما في ذلك الامتحانات النهائية حتى إشعارٍ آخر، وللمرة الثالثة هذا العام. الإضراب الذي دعت إليه الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية والهيئة التنفيذية لرابطة العاملين فيها، تحت شعار "حفظ الجامعة الوطنية وكرامة الأساتذة"، يهدّد مصير 80 ألف طالب لم ينهوا عامهم الدراسي حتى اليوم، وهو ما ينذر بالأسوأ في مطلع العام الجديد.
وتحت وسم "#أنقذوا_الجامعة_اللبنانية"، أعرب الناشطون والطلاب والأساتذة عن سخطهم وأسفهم لما آلت إليه أوضاع الجامعة الوطنية، والتي لطالما وُصفت بأنّها "جامعة الفقراء"، لا سيّما وسط غياب أيّ حلولٍ أو تحرّكات جديّة لإنصاف الأساتذة والعاملين المحرومين من أدنى حقوقهم المعيشيّة، ولوقف انهيار الجامعة اللبنانية وحرمان الغالبيّة العظمى من الطلاب من حقّهم بالتعليم.
ويقول رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين عامر حلواني إنّ "الإضراب يشمل كلّ الكليّات والفروع، ويشكّل صرخة لتحصيل حقوق الأساتذة والدفاع عن الجامعة اللبنانية المتعثّرة. لم تنه نصف الكليات تقريباً العام الجامعي كالعلوم والآداب والإنسانيّات والفنون الجميلة. والبعض الآخر أنجز الفصلين الدراسيّين لتبقى الامتحانات النهائيّة، فيما لم تنه كليات أخرى مقرر الفصل الثاني"، تابع: "كنّا نثابر على التعليم عن بُعد قبل أن يتوقّف منذ الخميس الماضي، إذ إنّ هشاشة البنى التحتية لا تسمح بالتعليم الحضوري. فموازنة الجامعة شحيحة جداً ويصعب شراء المازوت أو الأوراق أو المحابر. كما تغيب التجهيزات الأساسية عن المختبرات وغير ذلك".
ويشير حلواني إلى أن "المطلوب اليوم تحسين الوضع المادي ورواتب الأساتذة التي باتت زهيدة جداً ولا تتجاوز 150 دولاراً أميركيّاً في الشهر. كما يجب دعم صندوق التعاضد الذي يضمن الطبابة والاستشفاء. لكن للأسف لا حياة لمن تنادي، فالدولة غائبة وما من تحرّكٍ جدّي لتذليل العقبات، ويبقى بالتالي مصير 80 ألف طالب مجهولاً". وإذ تحدّث عن الوضع السيئ الذي يعانيه موظّفو الجامعة أيضاً، والمعروفون بالمدرّبين الذين يتولّون الأعمال الإداريّة كافّة، يلفت حلواني إلى أنّهم "ملتزمون بالإضراب كونهم مظلومين، ولم يتقاضوا رواتبهم منذ بداية العام الجاري، علماً أنّ راتبهم أقلّ من مليونَي ليرة لبنانية (نحو 68 دولاراً أميركيّاً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، ونحو 1333 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي"، يضيف أن "الأساتذة المتعاقدين هم من الطبقة المحرومة، إلا أنّ إضرابنا لشهرين لم يفلح للأسف بتفريغهم".
ويوضح أنّ "تأخّر إنجاز العام الجامعي انعكس سلباً على الطلاب الراغبين بمتابعة دراساتهم العليا خارج البلاد"، مشيراً إلى أن "الجامعة متجهة نحو انهيارٍ كاملٍ لو أنّنا لم نطلق هذه الصرخة".
وكانت الهيئة التنفيذية قد أصدرت بياناً أسفت فيه لـ"التجاهل المطلق والإهمال المقصود من قبل المعنيّين، فالجامعة الوطنية ليست في حساب المسؤولين الذين لم يعرضوا حلاً ولم يبذلوا جهداً ولم يتبنّوا أيّ خطوة فعلية لدعمها وأهلها. وكأنّ المخطط الحقيقي هو تفتيت القطاع العام والقضاء على الجامعة اللبنانية، الأمر الذي يحتّم على أهل الجامعة اتّخاذ كلّ الخطوات الممكنة للحفاظ عليها وضمان مستقبلها بعدما أصبح الاستمرار في أداء الرسالة التربوية الجامعية مستحيلاً، ما سيؤدّي إلى عدم إمكانية استقبال طلاب جُدد أو حتّى استمرار الطلاب الحاليّين، بالإضافة إلى استحالة وصول الأساتذة إلى كلياتهم ومراكز عملهم، والموظفين والطلاب إلى الجامعة بسبب غلاء أسعار المحروقات وعدم توفر بدل نقل. فالجامعة تعمل باللّحم الحي".
بدورهم، أعلن مدرّبو الجامعة اللبنانية الإضراب القسري حتّى تقاضي مستحقاتهم المتأخّرة، واستنكروا سياسة "إدارة الجامعة ومعها السلطة، التي جوّعتنا وجوّعت أولادنا وضربت مستقبلنا"، ويسألون: "أيُعقل أننا على مشارف شهر أغسطس/ آب، ولم نتقاضَ حتى الآن أّي راتب عن العام 2022 أو مساعدة اجتماعية أسوة بالقطاع العام؟"، يضيفون: "نستدين للوصول إلى الجامعة لعجزنا عن تأمين بدل المواصلات، ناهيك عن أنّ الكهرباء مقطوعة معظم الأحيان، حيث نعمل رغم الحر الشديد. كما أنّ مياه الخدمة مقطوعة في كثير من الكليات". وكان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم قد طالب بـ"تسديد التعويضات والأجور والمساعدات للمدرّبين في الجامعة اللبنانية فوراً".
إلى ذلك، يؤكد رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة العاملين في الجامعة اللبنانية حبيب حمادي على "الاستمرار بالإضراب الشامل باستثناء الموظّفين المكلّفين بإنجاز ملف موازنة الجامعة، لا سيّما أنّنا لم نلقَ أيّ وعود، ولا نأمل خيراً بجلسة الحكومة المخصّصة لمعالجة إضراب القطاع العام ككلّ"، ويقول: "المسألة لا تتوقّف على مطالبنا المعيشية الأساسية فحسب، إنّما المطلوب تعزيز موازنة الجامعة، وإلا تفقد قدرتها على الاستمرار وتهدّد بالتالي مصير 80 ألف طالب و5200 أستاذ ملاك ومتفرّغ ومتعاقد و2400 مدرّب وموظّف إداري، علماً أنّ قرابة 300 مدرّب وموظّف قدّموا استقالاتهم أخيراً، فالحوافز والتقديمات غائبة، وحتّى أبسط الأمور، كبدل النقل وغيره".
يضيف حمادي: "كم يعزّ علينا بعد نضال يقارب 40 عاماً أن نرى الجامعة الوطنية تنهار. لقد خسرنا العام الماضي 29 ألف طالب، والخوف أن نخسر المزيد"، مشيراً إلى أنّها "خطة الدولة لتوجيه الطلاب نحو الجامعات الخاصة التي تقدّم حوافز وتخفيضات، بغضّ النظر عن قيمة الشهادة وكفاءتها، حيث نجد بينها للأسف جامعات دكاكين تعتمد المبدأ التجاري لا التعليمي".