تسعى نساء في مناطق نائية من المحافظات الشمالية التونسية إلى الاقتراب من العالمية، من خلال حرف ومهن ورثنها عن الجدات. وتجتهد النساء لإيصال أعمالهن إلى السوق الأميركية وبلدان أخرى لا تصنّف ضمن النسيج التقليدي للصادرات التونسية.
وتعمل نساء من مناطق البرامة والعروسة بريف محافظة سليانة (شمال غرب تونس) على صيانة التراث من خلال صناعة الفخار التقليدي وتقطير الأعشاب العطرية وإكساب هذه الصناعات اليدوية طابعاً متجدداً يساعدهن على تحسين تنافسية سلاسل القيمة الحرفية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة الصادرات.
وتقول سنية القمودي، التي ترأس مجمعاً زراعياً بمدينة العروسة من محافظة سليانة، إن النساء في المجمع لم يعدن يكتفين بترويج منتجاتهن في السوق المحلية أو المعارض المحلية، مؤكدة وجود أفق أرحب للمهن التراثية في السوق الدولية.
وتؤكد القمودي، لـ"العربي الجديد"، أن الحرفيات في المجمع استفدن من برامج شراكة وتطوير الكفاءات التي قدمها لهن برنامج مشروع العمل التعاوني للصادرات الحرفية الذي أمّن لهن دعماً مالياً ولوجستياً وتدريباً متخصصاً في إكساب المنتجات المحلية قيمة مضافة تساعد على بيعها في الأسواق الخارجية.
وتضيف القمودي أنها وزميلاتها في المجمع حصلن على مساعدات بأشكال متنوعة من شركاء المشروع لتحسين منتجاتهن، وتعزيز قدراتهن التنافسية، واكتساب المكانة التي يستحققنها كراعيات لتراث ثقافي ثمين يجب حمايته.
وتقول إن برامج الدعم والمرافقة التي تقدّم لنساء الريف والعاملات في الأنشطة التقليدية تساعدهن على تجاوز عقبات التسويق أو استغلال جهدهن، من خلال تعزيز القدرة التنافسية لسلاسل القيمة الحرفية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة الصادرات.
وتؤكد المواطنة التونسية أن برامج المساعدة تسمح للحرفيات بالوصول إلى السوق الأميركية كوجهة أولى، ثم إلى باقي دول العالم، مشيرة إلى أن السوق الأميركية أصبحت في غضون سنوات قليلة الوجهة الرئيسية للصادرات التونسية من الحرف اليدوية بقيمة 25.8 مليون دينار عام 2022.
وعن اختيارها هذه الحرفة، تقول إنها حاولت الاستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة لتعيش برفاهية، ولا تضطر للمغادرة نحو العاصمة للبحث عن عمل آخر، معتبرة أن "الأرياف والمناطق الداخلية تزخر بالموارد والحرف التي يمكن تحويلها إلى مناطق جذب للسياح والمصدرين".
تضيف أنها سعت إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية في جهتها من نباتات وبذور لتعيش منها وتجعلها مورد رزق لعدد من اللواتي يعملن معها في المجمع، وخصوصاً أن الظروف في مناطقهن لا تمنحهن خيارات عدة سوى التوجه نحو الطبيعة وتراث الجدات لإطلاق مشاريع خاص بهن.
وترى أن الموارد الطبيعية "ذهب أخضر"، مشيرة إلى أنها تستغل الإكليل والزعتر والنعنع والعطرشاء لاستخراج الزيوت النباتية والعطرية والروحية وصناعة مواد تجميلية بيولوجية.
ومنذ عام 2018، أطلقت منظمة صحة الأسرة العالمية، بتمويل من سفارة الولايات المتحدة، مشاريع في قطاع تحويل النباتات الطبية والعطرية، على غرار تمكين مجامع التنمية الفلاحية من الوصول إلى المواد الأولية، وكيفية تحسين التعبئة والتغليف وأدوات التسويق والولوج إلى الأسواق الدولية.
كما مكن مشروع العمل التعاوني للصادرات الحرفية منذ إطلاقه عشرات مجامع التنمية الزراعية في منطقة الشمال الغربي، التي تضم نحو 300 حرفية، من الاستفادة من التدريبات الخاصة بتعزيز القدرات.