تجد العديد من العائلات في إدلب نفسها عاجزة عن تأمين مستلزمات الحياة الأساسية من طعام وشراب، في ظل الغلاء وانعدام فرص العمل وتراجع المساعدات، لتزيد المعاناة وسط الفقر.
تقول النازحة جهينة البركات (45 سنة)، متذمرة من الوضع السيء الذي تعيشه في مخيمات النزوح: "الحياة باتت أصعب من الموت. ارتفاع الأسعار شمل كل مقومات الحياة من غاز ومواد غذائية وكهرباء ومحروقات، وامتد إلى لقمة العيش ورغيف الخبز، بسبب تراجع سعر صرف الليرة التركية، وارتفاع أسعار المواد الخام، في وقت قلت فيه المساعدات الإنسانية والإغاثية المقدمة للمنطقة ما تسبب بمزيد من الفقر والحاجة".
تضيف أن عائلتها المؤلفة من سبعة أفراد بحاجة إلى ثلاث ربطات من الخبز يومياً بسعر 30 ليرة تركية (الدولار يساوي 28 ليرة تركية)، بينما لا يستطيع زوجها تأمين مصدر دخل دائم نتيجة عمله غير المستقر كونه مياوماً. لذلك، تعتمد على عمل أبنائها الذين تخلوا عن دراستهم ويتقاضون أجوراً زهيدة بغية تأمين قوت يومهم.
يبدو الحال أفضل قليلاً حين يوجد أفراد منتجون في العائلة الواحدة ولو بأجور زهيدة، بالمقارنة مع آخرين لا يجدون من يعينهم، كما هو حال صفاء الكرمو (26 سنة)، وهي نازحة من مدينة معرة النعمان ومقيمة في مخيمات حزانو شمال إدلب.
مر عام على فقدانها زوجها في القصف الذي طال المنطقة، لتجد نفسها المعيلة الوحيدة لخمسة أولاد. وتقول: "بحثت طويلاً عن عمل من دون جدوى. ثم بدأت إعداد المؤونة وبيعها، بالإضافة إلى القيام ببعض الأعمال الزراعية". لكن ما تتقاضاه صفاء لا يكفي لتأمين ربع احتياجات أبنائها اليومية من طعام ومياه ودواء وتعليم، إذ بالكاد تؤمن الخبز. وتحاول الاعتماد على ما تحصل عليه من مساعدات إنسانية لتلبية بعض الاحتياجات الأخرى، مؤكدة أن المساعدات الغذائية قليلة جداً على الرغم من الحاجة الكبيرة والمعاناة والفقر والغلاء.
من جهتها، تقول النازحة المقيمة في مخيمات قاح شمال إدلب، فداء الجدعان (31 سنة) إنّها تحار في كيفية تدبير أمور حياتها وحياة أبنائها. قلّما تتمكّن من تأمين لوازم المأكولات البسيطة في ظل الغلاء الكبير في أسعار الخضار والفاكهة واللحوم. تخرج أحياناً قاصدة مكبات النفايات القريبة من المخيم للبحث عما يمكن أن تبيعه وتستفيد منه. وتشير إلى أن الأوضاع الإنسانية في المخيمات تتصاعد نحو الأسوأ، في ظل قلة المساعدات الإنسانية، وقلة فرص العمل، ومصادر الدخل.
ويشكو النازح نواف جعفر (33 سنة) الذي يعمل في إحدى ورش الحجر، بالقرب من مخيمه الواقع شمال مدينة سرمدا، من الأجر القليل الذي يحصل عليه، والذي لا يتجاوز الخمسين ليرة يومياً، ولا يكفيه سوى لشراء ربطتي خبز لعائلته ووقود لدراجته النارية.
لا يستطيع نواف أن يوازن بين دخله المحدود وغلاء الأسعار الجنوني، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر تصريف الدولار أمام الليرة التركية لم يدفع أصحاب الأعمال إلى تحسين أوضاع العمال الذين يتقاضون أجورهم بالليرة التركية، وهذه حال شريحة واسعة من الأهالي في إدلب وريفها ومناطق المخيمات. هؤلاء لا يجدون ما يعينهم على تأمين أبسط مقومات الحياة، عدا عن أن قدوم فصل الشتاء يزيد معاناة الآلاف.
وعلى الرغم من اقتراب الشتاء، فإن الإقبال على شراء مواد التدفئة في مناطق شمال غربي سورية ما زال ضعيفاً، بسبب ارتفاع أسعارها وضعف القدرة الشرائية، ما جعل تأمين مواد التدفئة هاجساً يقلق الأهالي وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة. في السابق، اعتاد لؤي الحجي (41 سنة)، وهو أحد سكان مخيمات دير حسان، على شراء كميات كبيرة من الحطب أو قشور اللوزيات، كمؤونة للتدفئة تكفي عائلته طوال أيام الشتاء. لكن الأمر مختلف هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار. وينوي شراء مواد التدفئة بكميات محدودة، بسبب الغلاء المعيشي الذي طال كل المواد والسلع الغذائية الأساسية ومواد المحروقات، حيث وصل سعر طن قشر الفستق من النوع الأول إلى 230 دولاراً، والحطب إلى 175 دولاراً. وتحتاج العائلة الواحدة إلى ما لا يقل عن طنين من مواد التدفئة خلال الشتاء.
وأصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" مؤخراً بياناً يحذر من الوضع الكارثي لكثير من العائلات في الشمال السوري، تزامناً مع دخول فصل الشتاء، وذكر أن 94 في المائة من العائلات شمال غرب سورية غير قادرة على تأمين مواد التدفئة هذا العام، كما أن 79 في المائة من النازحين لم يحصلوا العام الماضي على إمدادات التدفئة، وتحديداً ضمن المخيمات. وقال البيان إن 67 في المائة من العائلات في شمال غرب سورية تسعى إلى تخفيض الاحتياجات الأساسية، وخصوصاً الغذاء، في محاولة يائسة للحصول على التدفئة، مؤكداً أن أسعارها ارتفعت مقارنة بالعام الماضي بنسبة 120 في المائة كنسبة وسطية لمواد التدفئة المختلفة.
وتحدث الفريق في تقرير نشره على "فيسبوك" في وقت سابق، عن ارتفاع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 90.93 في المائة، وزيادة حدة الجوع إلى مستوى جديد بنسبة 0.37 في المائة، ما يرفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع إلى 40.67 في المائة. كما زادت معدلات البطالة بنسب مرتفعة للغاية، وارتفعت مؤشرات البطالة عن شهر أغسطس/ آب 0.17 في المائة، ووصلت نسبة البطالة العامة إلى 88.65 في المائة بشكل وسطي.