في الثاني عشر من مارس/ آذار الماضي، أعربت حكومات 31 دولة، أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، عن "القلق العميق" إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية في ظل إفلات مستمر من العقاب. ويحتفل العالم بـ"يوم حقوق الإنسان" في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول كل عام.
الإعلان المشترك من الدول، والذي عرض خلال الجلسة الـ 46 للمجلس، سلط الضوء على "القيود المفروضة على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، والتضييق على المجتمع المدني والمعارضة السياسية". كما دان استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة المعارضين السلميين.
ودعت الدول المنضمة للإعلان المشترك إلى "المساءلة والإنهاء الفوري للإفلات من العقاب"، وطالبت مصر بوقف انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة للمحاكمات العادلة بما في ذلك الاستخدام المفرط للاحتجاز المطول السابق للمحاكمة، وضم المحتجزين لقضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المدة القانونية لحبسهم الاحتياطي.
كسر حاجز الصمت
هكذا رأت دول العالم ملف حقوق الإنسان في مصر، وما تشوبه من انتهاكات دفعت 31 دولة لكسر حاجز الصمت الدولي، والإعلان عن موقفها صراحة أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وتزامنًا مع صدور هذا الإعلان المشترك الهام، لا سيما أن آخر إعلان مشترك صدر عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن مصر كان في مارس/ آذار 2014، بمبادرة من أيسلندا وتوقيع 26 دولة أخرى؛ تبنت 100 منظمة حقوقية دولية وإقليمية الإعلان، وسردت بدورها صورا من تلك الانتهاكات.
وجاء في بيان المنظمات المائة: "في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، قضت السلطات المصرية فعليًا على مساحات التعبير والتجمع السلميين، والحق في تكوين الجمعيات. وارتكبت قوات الأمن بتواطؤ مع المدعين العموم والقضاة جرائم؛ الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك المئات من المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقباط والمتظاهرين السلميين، والصحافيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين".
وبينما يرى العديد من حكومات العالم، السلطات المصرية، بوصفها "تمارس انتهاكات وتفلت من العقاب"؛ لم يكن في اهتمام السلطات المصرية، سوى إرضاء الولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها في الشرق الأوسط.
فبادرت السلطات المصرية، بإرضاء الرعاة الرسميين للنظام المصري الحالي، بإضفاء رتوش تجميلية صورية على ملف حقوق الإنسان، لتجميل صورتها الخارجية، وكأنها استجابة لضغوط دولية، أو حتى تطور في وجهة النظر السيادية في الداخل.
إجراءات هامشية لتحسين الصورة
واتخذت مصر، عدة إجراءات هامشية في سبيل تحسين صورتها أمام العالم، مثل إفراجات محدودة لعدد من النشطاء والصحافيين، وتقليل الإجراءات المشددة المفروضة على منظمات المجتمع المدني، وإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان مدتها خمس سنوات، في سبتمبر/ أيلول 2021، تتضمن المحاور الرئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في مصر، بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030، وتشمل أربعة محاور عمل رئيسية هي: الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات في حقوق الإنسان.
وانتهت الإجراءات الهامشية لتحسين صورة مصر أمام العالم في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، بإعلان السيسي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول، إنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد.
وسوّق النظام المصري، لإعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ولإنهاء حالة الطوارئ، باعتبارها إنجازًا غير مسبوق، وخطوة "حكيمة" في توقيت صائب بعد استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد.
لكن هذا التسويق الدعائي، تصدى له مراقبون، وأكدوا أن الأمر متعلق بـ"غياب الإرادة السياسية وليس الافتقار لاستراتيجية وطنية لتبييض الوجه" وأن إنهاء حالة الطوارئ جاءت "بلا داعٍ في ظل كل القوانين الاستثنائية، وفي ظل تواطؤ كل مؤسسات الدولة في تعزيز سياسة الإفلات من العقاب، وغياب المؤسسات الرقابية".
ولم يكتف النظام المصري بترسانة التشريعات والقوانين الاستثنائية التي أقرها منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في 2014، بل إنه أتبعها بعد أيام من إعلان السيسي إنهاء حالة الطوارئ بإحالة الحكومة عددًا كبيرًا من التعديلات القانونية إلى البرلمان، التي تدمج العديد من الأحكام المشابهة لقانون الطوارئ في قوانين أخرى.
تزايد عدد السجناء بشكل كبير
وبخلاف هذه التفسيرات والتقديرات الدولية والحقوقية لملف حقوق الإنسان في مصر؛ فإن الواقع الفعلي يفرض نفسه، ويكشف دائمًا عن قبح الملف.
فعلى سبيل المثال، تزايد عدد السجناء بشكل كبير عقب الإطاحة بالرئيس السابق الراحل محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، مما أدى إلى اكتظاظ شديد في السجون.
وحسب منظمة العفو الدولية، التي أكدت تكدس مئات السجناء في زنازين مكتظَّة، حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة حوالي 1,1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3,4 أمتار مربعة.
وبينما ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في مصر؛ تشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي قدّرها السيسي في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بـ 55 ألف سجين، حسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021.
وحسب منظمة العفو الدولية أيضًا، فقد أعدمت مصر بالفعل، وبشكل صادم، ما لا يقل عن 83 شخصاَ حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، بعضهم بعد إدانات في إجراءات استهزأت بالعدالة.
وبقيت مصر في مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة حسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2021، بتراجعها في المركز 166، الذي يقيم الوضع الإعلامي في 180 بلداً.
بل إن "مراسلون بلا حدود"، أشارت أيضًا إلى أن أكثر دول الشرق الأوسط "استبدادا"، هي السعودية ومصر وسورية، حيث كثفت ممارساتها القمعية المتمثلة في "تكميم الصحافة، لتحكم قبضتها على وسائل الإعلام في سياق جائحة كوفيد-19، حيث جاءت الأزمة الصحية لتعمق جراح الصحافة العميق أصلاً في هذه المنطقة"، التي لا تزال الأصعب والأخطر في العالم بالنسبة للصحافيين.