إبراهيم قصيعة لاعب الكرة الطائرة الشهيد في غزة

02 فبراير 2024
يحمل إبراهيم قصيعة علم فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -

هكذا تُكتَب القصص في قطاع غزة. "كان شاباً طموحاً اعتمد على موهبته ولياقته البدنية. نال مراكز أولى على الصعيدين المحلي والعربي، وفي منتصف الطريق ترجّل...". في قطاع غزة، يُودّع الجميع أحلامهم كل ليلة. لا يُدركون إن كان سيحلّ عليهم صباح أو مساء. الكلام الأخير للصواريخ التي تبتر الأطراف والأحلام، ولم يبقَ للحياة طعم أو رائحة سوى رائحة الموت والدمار والأشلاء.
رائحة الموت تملأ الشوارع والأزقة والحارات العتيقة، التي كانت تشهد على بطولات وصداقات وضحكات. في مخيم جباليا شماليّ قطاع غزة، استشهد بطل المنتخب الوطني الفلسطيني للكرة الطائرة الشاب إبراهيم قصيعة (31 عاماً). لطالما عُرف بدماثة الأخلاق، ورشاقة الحضور، والحرص على تنمية موهبته في المخيم حيث ترعرع. استشهد ضحية قصف إسرائيلي مع العشرات من أبناء المخيم في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. في ذلك اليوم، ألقى الاحتلال قنبلة تزن طناً على منطقة الترانس المكتظة وسط المخيم. ظنّ الجميع أن المكان لن يقصف. الغدر هو الصفة الأبرز للقصف الصهيوني الذي يستهدف غزة ليل نهار.

إبراهيم عبد الواحد قصيعة الذي يتحدّر من بلدة زرنوقة قضاء الرملة المحتلة، أبٌ لأربعة أطفال (ثلاث إناث وصبي). وهو المعيل الوحيد لعائلته المكونة من أم وأب كفيف وشقيقات وأبناء شقيقه الذي استشهد عام 2007، ثم التحقت به زوجته ليكون إبراهيم بمثابة الأب والأم لأبناء شقيقه. قتل إبراهيم مع صديق العمر والرياضي حسن زعيتر، وكلاهما يلعب مع المنتخب الوطني الفلسطيني للكرة الطائرة والكرة الشاطئية. ومع استشهاد إبراهيم (أبو محمد)، تفقد العائلة المكونة من الإناث والوالدين المسنين والأطفال معيلها الوحيد.
أنهى إبراهيم دراسته الجامعية في جامعة الأقصى في غزة، ونال درجة البكالوريس في التربية الرياضية والبدنية‎، وتدرج في البطولات المحلية مع فريقه في قطاع غزة، ليُختار في المنتخب الوطني، وينال الرقم اثنين. حصل مع منتخبه على الميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا للكرة الشاطئية في قطر لعامين متتاليين 2021 و2023. تغلب الفريق على العراق في إنجاز غير مسبوق للكرة الشاطئية الفلسطينية، وكبُرت طموحاته وأحلامه، ليكون الموعد مع بطولة جديدة لم تتحقق، لأن اثنين من الأبطال استشهدا.  

كان إبراهيم يتميز باللياقة البدنية العالية والموهبة النادرة (العربي الجديد)
كان إبراهيم يتميز باللياقة البدنية العالية والموهبة النادرة (العربي الجديد)

مدربه عبد الرحمن طافش يقول لـ "العربي الجديد" إن إبراهيم، عدا عن كونه أخلاقياً ومميزاً اجتماعياً ويتمتع بحسّ المسؤولية حيال العائلة، فهو يتميز أيضاً باللياقة البدنية العالية والموهبة النادرة، وكان قادراً على تطوير مهاراته وتمثيل فلسطين عربياً وعالمياً. إلا أن الاحتلال لم يمهله المزيد من العمر ليلبي طموحاته الشخصية أو طموحات المنتخب الذي كان يتميز بانضمامه إليه. 
يتابع طافش: "كان متميزاً في كل مرة يلعب فيها أمام فريق محلي أو عربي. كان نابغة في الكرة الطائرة، ويتميز بروح رياضية عالية، ويجعل من كل مباراة فرصة للترفيه والاستمتاع بالأداء الراقي والمتميز". يضيف أن طموح إبراهيم لم يكن محدوداً، وكان يستعد للمشاركة في البطولة العربية للأندية الأبطال مع نادي الصداقة المقررة في الأردن في فبراير/ شباط الجاري، برفقة صديقه زعيتر. لكن الموت كان أقرب من الحلم.

أسماه صديقه يوسف بعلوشة "وحش الصالة"، وكان ينال الكثير من الألقاب بين الأصدقاء والزملاء في الفريق المحلي والوطني، وأطلق عليه لقب نجم الكرة الطائرة الفلسطينية. استشهد إبراهيم على باب ناديه خدمات جباليا، واستُهدِف المواطنون في مربع سكني مزدحم ليكون النادي البوابة الأولى للنجم والأخيرة.
زرنوقة، حيث يتحدر اللاعب إبراهيم قصيعة، إحدى البلدات الفلسطينية التي احتُلَّت عام 1948، وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الرملة على بعد 10 كيلومترات منها، وتبعد عن مدينة يافا 25 كيلومتراً. تبلغ مساحتها 7545 دونماً، وتحيط بها أراضي قرى عاقر ويبنا والقبيبة والمغار (الرملة)، وتعني النهر الصغير. أقام الاحتلال فوقها مستوطنة زرنوقاه بعدما هجّر أهلها وقتل العشرات منهم. إنه الألم نفسه الذي يتجدد بعد 75 عاماً. يُلاحق المحتل أهل البلاد الأصليين، محاولاً طردهم من فلسطين. 
مع استشهاد إبراهيم، تفقد ثلاث عائلات معيلها الوحيد، ويُصبح محمد ابن الشهيد إبراهيم مسؤولاً عن عائلات والده الثلاث. 

المساهمون