أيقونة "الثالوث"... رمز الثقافة الروسية في رحاب الكنيسة

30 يوليو 2022
متحف "تريتياكوفسكايا" الأهم للفن التشكيلي في موسكو (العربي الجديد)
+ الخط -

يترقب معرض "تريتياكوفسكايا" الذي يعد أبرز متحف للفن التشكيلي في موسكو عودة أيقونة "الثالوث" الأسطورية التي رسمها الفنان أندريه روبليوف، بعدما كانت غادرت جدرانه في 17 يوليو/ تموز الجاري من أجل استخدامها في احتفالات مقامة بمناسبة ذكرى مرور 600 عام على اقتناء رفات القديس سرغيوس رادونيز، وذلك ضمن مراسم يستضيفها دير الثالوث المقدس سرغيوس في ضواحي موسكو. 
وفيما فتح إخراج الأيقونة من المعرض نقاشات مجتمعية واسعة في روسيا حول حالتها وظروف نقل الروائع الفنية، وإذا كان المتحف أم الكنيسة المكان المناسب للمقدسات الدينية، يقول كبير الباحثين في قسم الدراسات الاجتماعية والسياسية بمعهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عالِم الأديان رومان لونكين، لـ"العربي الجديد"، إن "المعضلة حول مكان حفظ المقدسات الدينية لم تعد قائمة ما دام يتسنى توفير بيئة مناسبة للحفاظ عليها، لكن الدير يبقى مكانها الطبيعي وليس جدران المتحف". 
يضيف: "أيقونة الثالوث رمز للثقافة الروسية، والصورة التي خرجت من رحم روسيا المقدسة. رسمها أندريه روبليوف الذي نجح في الجمع بين الانتماء إلى الثقافة الأوروبية والتفرد الروسي. ويظهر المسيحيون في أنحاء العالم احتراماً كبيراً للأيقونة التي يمكن رؤية نماذجها ليس في الكنائس الأرثوذكسية فقط، بل أيضاً الكاثوليكية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويعلّق على إخراج الأيقونة من متحف "تريتياكوفسكايا" للمشاركة في الطقوس الدينية، بالقول: "واضح أن بطريرك موسكو وعموم روسيا، كيريل الأول، استنجد بالثالوث في فترة حرجة بالنسبة إلى روسيا. أيقونة أندريه روبليوف ليست عن الحرب أو الأعداء، بل وسيلة لإدراك الذات والبحث عنها عبر الثالوث. ويؤكد ظهور الثالوث في دير الثالوث المقدس سرغيوس أن البطريرك على اتصال مباشر مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي رحب بأداء الصلاة أمامها من أجل الشعب والبلاد". 
وتعليقاً على تنامي دور الكنيسة الأرثوذكسية في الحياة الاجتماعية الروسية، يتابع لونكين: "تنفذ الكنيسة عملاً اجتماعياً مهماً وتمثل أفكار غالبية الشعب. بالنسبة إلينا، هناك ارتباط وثيق بين هوية البلاد والثقافة والتقاليد. وإذا كانت الأوساط الليبرالية الحديثة تنظر إلى هذه القيم باستعلاء، فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية وما لا يقل عن ثلثي الروس يعتبرون أن الإيمان والسيادة هما ما يمكن الموت من أجلهما". 

الصورة
تضم متاحف روسيا روائع فنية (ميخائيل زفتلوف/ Getty)
تضم متاحف روسيا روائع فنية (ميخائيل زفتلوف/ Getty)

ويقلل لونكين من أهمية الجدل حول مكان حفظ الأيقونات، قائلاً: "هناك أيقونات عادت إلى الكنائس وظلت فيها، والعالم الحديث لم يعد يعتبر حفظ الروائع الثقافية في الكنيسة أم المتحف معضلة، وحل مسألة الحفاظ على الأيقونات يحصل بالتشاور بين الكهنة والخبراء. وأظهرت ردود الفعل حول جلب أيقونة الثالوث إلى الدير أن شخصيات ثقافية ستستمر في إظهار عدم ثقتها بالكنيسة، وتعتبرها من بقايا الماضي". 
واللافت أن الخبير في المعهد الحكومي لدراسات وعلوم الترميم، ميخائيل كراسيلين، أبلغ إذاعة "بي إف إم" أن "نقل أيقونة متهالكة على متن سيارة يهدد سلامتها، وقد تعرض هذا الأثر الهش لاهتزاز كبير لدى نقله في مسار غير جيد يمتد 80 كيلومتراً. والحقيقة أن حالة الأيقونة غير جيدة، في حين أن خسارتها بمثابة كارثة وطنية". 
وبمجرد خروج الأيقونة من معرض "تريتياكوفسكايا"، تعالت الأصوات المطالبة بعدم إعادتها. ورأى النائب عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم سيرغي باخوموف أن "الظروف في كنيسة الثالوث باتت مناسبة للحفاظ على الأيقونة". 
وكانت أيقونة "الثالوث" التي رسمت في القرن الـ15 ميلادياً في كنيسة الثالوث المقدس من عام 1575 حتى عام 1917. وبعد ثورة البلاشفة، رممت الأيقونة ووضعت في معرض "تريتياكوفسكايا" عام 1929. ومع وصول رقعة الحرب العالمية الثانية إلى الأراضي السوفييتية عام 1941، نقلت الأيقونة إلى مدينة نوفوسيبيرسك في سيبيريا، بعيداً من عمليات القتال. 

ويتواصل الجدل بين الكنيسة الأرثوذكسية ومعرض "تريتياكوفسكايا" حول أيقونة "الثالوث" منذ سنوات، إذ طالبت بطريركية موسكو عام 2008 إدارة المتحف بأن تسمح باستخدام الأيقونة في احتفالات يوم الثالوث في دير الثالوث المقدس سرغيوس في يونيو/ حزيران عام 2009، لكن مجلساً طارئا ضم كبار الباحثين في مجال الفن والترميم أجمع على أن عملية نقل الأيقونة ستهدد سلامتها كونها تحتاج إلى ظروف خاصة على صعيدي الحرارة والرطوبة. 
ورغم أن البطريرك الراحل أليكسي الثاني وجه انتقادات لاذعة إلى موقف "الأوساط المتخفية"، لم تصر البطريركية نفسها على إخراج الأيقونة حينها.  

المساهمون