أوروبا تزيل السدود حفاظاً على التنوع البيولوجي

20 مايو 2022
أعمال صيانة في سدّ بالمملكة المتحدة (كريستوفر فورلونغ/ Getty)
+ الخط -

في الواحد والعشرين من مايو/ أيار الجاري، يحلّ اليوم العالمي للأسماك المهاجرة. وهذه الاحتفالية التي تُنظَّم مرّة كلّ عامَين في السبت الثالث من شهر مايو، تهدف إلى تعزيز الاهتمام العالمي بالحاجة إلى استعادة الروابط النهرية للأسماك المهاجرة من أجل الحفاظ على صحتها وزيادة إنتاجها في الأنهر.
وقبيل هذا اليوم، كان نقاش حول أهمية إزالة الحواجز المائية القديمة، خصوصاً على الأنهر، إذ كشفت دراسات عدّة أنّ السدود وغيرها من الحواجز المائية تمنع الأسماك المهاجرة من الوصول إلى موائلها ومن الحصول على الغذاء وكذلك من التكاثر، في حين تتحوّل المياه الراكدة خلف السدود إلى ما يشبه أحواضاً ساخنة مميتة لأنواع عديدة من الأسماك.
وفي تقرير أخير أصدره تحالف "دام ريموفال يوروب" (Dam Removal Europe) الذي يضمّ سبع منظمات ويعمل على إعادة إحياء أنهر معافاة وذات تدفّق حرّ على مساحة القارة، وقد استعرضته صحيفة ذا غارديان البريطانية، رُصدت عمليات إزالة 239 حاجزا مائيا على أقلّ تقدير في دول أوروبية مختلفة في عام 2021، من أجل مكافحة التغيّر المناخي والمساعدة على تعزيز التنوّع البيولوجي.
وبحسب ما أفاد التقرير نفسه، فقد احتلت إسبانيا الصدارة، مع إزالة 108 حواجز مائية، الأمر الذي وُصف بأنّه إنجاز مهمّ في إطار حماية البيئة. وقد عُدّ نجاح السلطات في إزالة سدّ أنيارينوس الذي يبلغ ارتفاعه 13 متراً، وهو أطول السدود الأوروبية المزالة في العام الماضي، نقلة نوعية في محاولات البلاد الحفاظ على التنوّع البيولوجي. وما ساعد إسبانيا على إزالة كلّ تلك  السدود هو تشريعاتها في هذا الإطار. فالقانون الإسباني واحد من أفضل القوانين التي تُعنى بالسدود، بحسب ما صرّح لـ"ذا غارديان" رافايل سيث من البرنامج الإسباني للمياه العذبة التابع لـ"الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF)، وهو يلزم مالك السدّ على تحمّل تكاليف إزالة بناه التحتية بمجرّد التوقّف عن استخدامه، على سبيل المثال.
وبيّن تقرير التحالف المعني بإزالة سدود أوروبا، أنّ 76 في المائة من عمليات الإزالة استهدفت سدوداً صغيرة، في حين أنّ 24 في المائة منها طاولت سدوداً تتخطى حاجز المترَين. وقد سُجّلت في ثلاث دول، البرتغال ومونتينيغرو وسلوفاكيا، عمليات إزالة سدود هي الأولى على الإطلاق، في عام 2021. وفي فنلندا، فُكّك سدّ يعمل باللطاقة الكهرومائية، الأمر الذي يسمح لأنواع عديدة من الأسماك، بما في ذلك سمك السلمون، بالعودة إلى مناطق التفريخ.

في الإطار نفسه، يحكي الخبير البيئي بول أبي حبيب عن أهمية إزالة السدود من الناحية البيئة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّها "تساهم في استعادة التدفّق الطبيعي للأنهر، وهو ما يعني زيادة التنوّع البيولوجي وتكاثر الكائنات المائية". يضيف أبي حبيب أنّ "مبادرة الأنهر المفتوحة التي أُطلقت في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2005، كانت بمثابة نقلة نوعية لأنّها سمحت بالتخلّص من سدود كثيرة تشكّل عائقاً أمام تكاثر الأسماك ونموّها. ومثل هذه المبادرات تساعد في استعادة الأنهر دورها الأساسي في الحفاظ على التنوّع البيولوجي".
ويتابع أبي حبيب أنّ "فوائد إزالة السدود ليست محصورة بفكرة تكاثر الأسماك والكائنات المائية فحسب، بل هي تساعد على تنقية المياه وتحسين جودتها، وإعادة إحياء النظم الإيكولوجية للأنهار". بالإضافة إلى ذلك، يرى أبي حبيب أنّه "من شأن مبادرة الأنهر المفتوحة أن تخفّف من مشكلات التربة والترسّبات التي تجمع في الأنهر المغلقة والتي قد تؤدّي إلى زيادة التلوّث وإلى تسمّم الكائنات الحية".

صيد عند سد في سلوفاكيا (جو كلامار/ فرانس برس)
صيد في نطاق أحد سدود سلوفاكيا (جو كلامار/ فرانس برس)

وبحسب تقرير التحالف المعني بإزالة سدود أوروبا، فإنّ عمليات الإزالة تساهم في هجرة الأسماك وتنقّلها في بيئات مناخية مختلفة، علماً أنّ السدود في الماضي أثّرت سلبياً على نموّ أنواع مختلفة من الأسماك.
كذلك أفاد باو فرنانديز غارّيدو من مؤسسة "وورد فيش ميغريشن فاونديشن" (World Fish Migration Foundation) التي تُعنى بالأسماك المهاجرة، صحيفة ذا غارديان، بأنّ "إزالة سدّ هو حاجة حقيقية". وإذ لفت إلى مئات آلاف السدود القديمة المهملة، شرح أنّها تؤثّر سلباً على جودة المياه ومستويات المياه الجوفية، بالإضافة إلى أنّها تساهم في انبعاث غازات الدفيئة، الأمر الذي يؤدّي إلى انخفاض وحتى انقراض مجموعات من الأسماك المهاجرة.
ولفت فرنانديز غارّيدو إلى أنّ إسبانيا وفرنسا والدنمارك وفنلندا والمملكة المتحدة تمضي في هذا المسار، في حين تحتاج دول أوروبية أخرى إلى "بذل جهود كبرى" من أجل البدء بعمليات الإزالة، من قبيل إيطاليا والبرتغال واليونان وكلّ دول أوروبا الشرقية تقريباً.

وبحسب تقرير التحالف ذاته، من المتوقّع أن يشهد عام 2022 مزيداً من عمليات إزالة السدود، إذ تُرصَد مساعدات مالية لتغطية التكاليف في دول أوروبية عديدة. وعلى سبيل المثال، سوف يستثمر برنامج "أوبن ريفرز بروغرام" (Open Rivers Programme) الجديد 42.5 مليون يورو (نحو 44.5 مليون دولار أميركي) في الأعوام الستّة المقبلة للمساعدة على إزالة حواجز مائية من أنهر أوروبا، بحسب ما أشار إليه فرنانديز غارّيدو.
وتشير التقديرات إلى أنّ ثمّة أكثر من مليون حاجز مائي على أنهر أوروبا، أُنشئ عدد كبير منها منذ أكثر من قرن. ومن بين تلك الحواجز المائية، ما لا يقلّ عن 150 ألفاً من الحواجز القديمة التي لا جدوى نهائية منها.

المساهمون