تتميّز جزيرة قرقنة التي تبعد عن سواحل مدينة صفاقس جنوبيّ تونس أكثر من ثلاثين كيلومتراً بهدوئها وبساطتها ومناطقها السياحية التي تستقطب آلاف السياح سنوياً. وتربط رحلات "اللود" (سفن) تلك الجزيرة بمدينة صفاقس، لتنطلق يومياً من الساعة الرابعة صباحاً وحتى الثامنة ليلاً. وتنشط الحركة التجارية من خلال تلك الرحلات اليومية هذه، ويتبادل الأهالي السلع مع مدينة صفاقس، لتعيش الجزيرة بعد ذلك الوقت عزلة تمتد 8 ساعات، نظراً لتوقف رحلات اللود وعدم وجود أيّ وسيلة نقل أخرى تربط الجزيرة بأقرب المدن إليها. وتشهد الجزيرة عزلة تمتد 14 ساعة بسبب تعطل تلك الرحلات نتيجة سوء الأحوال الجوية.
ويعمل غالبية سكان تلك الجزيرة (يقطنها أكثر من حوالى 100 ألف ساكن) في الصيد والزراعة بشكل أساسي، وتتسم المنطقة بجوها الهادئ وجمال طبيعتها، إلا أنها تعيش عزلة ليلية بسبب عدم وجود خطوط جوية أو بحرية تربطها بمدينة صفاقس ليلاً، الأمر الذي يسبب مشاكل عدة، ولا سيما في ما يتعلق بالخدمات الصحية للمرضى. ويواجه الطاقم الطبي في مستشفى المنطقة صعوبات عدة لدى استقباله حالات طارئة، ما يتطلب نقلها إلى مستشفى صفاقس.
قبل 2010، وبموجب اتفاقية بين الدولة وإحدى الشركات الخاصة، خُصّصت طائرة مروحية لنقل المرضى. وتكفل أحد رجال الأعمال المتحدرين من المنطقة بدفع ثمن الرحلات، وهي نحو 650 دولاراً للرحلة الواحدة. وبعد وفاته، تراجع عدد رحلات النقل الجوي للمرضى.
ومنذ سنوات، يشكو الطاقم الطبي الإجراءات المتعلقة بطلب طائرة مروحية، التي تتطلب في كلّ مرّة طلب الإذن من الولاية التي تُعلم بدورها الشركة. وهي إجراءات قد تطول في الوقت الذي تتطلب فيه الحالة الصحية لبعض المرضى التدخل العاجل ونقلهم بأسرع وقت إلى مستشفى صفاقس، نظراً لغياب التجهيزات الضرورية في مستشفى المنطقة.
وتفاقمت أزمة نقل المرضى من جزيرة قرقنة إلى صفاقس، وخصوصاً خلال تفشي فيروس كورونا الجديد، إذ يتطلب حال بعض المرضى نقلهم سريعاً إلى مدينة صفاقس، وقد ساءت أحوال البعض بسبب حاجتهم للأوكسيجين. وطالب مسؤولون وجمعيات بضرورة حلّ الإشكال وتوفير خط نقل جوي دائم أو خط نقل بحري يعمل ليلاً. لكنّ البعض أكد أن سوء الأحوال الجوية، وخصوصاً في فصل الشتاء، يحول دون تنقل اللود بين المدينة والجزيرة. كذلك قد تطول المدة الزمنية خلال الرحلة عبر اللود، ما قد يعرّض المريض لمضاعفات في الطريق، ليبقى النقل الجوي أضمن وأسرع بالنسبة إليهم. لكن منذ العام الماضي توقفت الرحلات الجوية ليلاً.
ويقول العامل في قسم الطوارئ في المستشفى المُصتاري قنيدز لـ "العربي الجديد": "العديد من الحالات الصحية الطارئة ساءت ليلاً بسبب عدم وجود طائرة مروحية لنقل المرضى إلى مدينة صفاقس ليلاً، الأمر الذي جعل الإطار الطبي يعيش على وقع العديد من المشاكل خلال استقبال بعض الحالات الطارئة ليلاً. ويضطر الطاقم الطبي في الكثير من الحالات إلى إرسال المرضى إلى المستشفى الجهوي في مدينة صفاقس قبل توقف رحلات اللود، إلا أن بعض الحالات تتوافد ليلاً. ويتولى الكادر الطبي تقديم الإسعافات أو التدخلات اللازمة بحسب الإمكانات المتوافرة في انتظار انطلاق رحلات اللود. وقد تسوء الأوضاع الصحية لبعض المرضى نتيجة عدم التدخل الطبي السريع".
ويعود سبب توقف تلك الرحلات إلى أنّ الشركة الخاصة التي تملك الدولة التونسية حصة فيها، عملت على رفع ثمن الرحلة منذ العام الماضي.
يتولى الكادر الطبي تقديم الإسعافات أو التدخلات اللازمة بحسب الإمكانات المتوافرة
ويُطالب أهالي الجزيرة بفك عزلتهم الليلية وتوفير نقل مستمر طوال اليوم، وليس خلال النهار فقط. ويقول عبد الرحمن (45 عاماً) لـ "العربي الجديد" إن غالبية السكان يعتمدون على الصيد البحري، ويوفرون كميات كبيرة من السمك يومياً، ولا يستطيعون بيعها إلا في المناطق القريبة من الجزيرة. ولا يملك بعض صغار البحارة وسائل لنقل إنتاجهم بمفردهم، وبالتالي يعولون على تلك الرحلات لنقل بعض ما ينتجونه لبيعه في مدينة صفاقس. لكن تعطل الرحلات باستمرار نتيجة سوء الأحوال الجوية يعطل عمل العديد منهم وتجارتهم.
من جهته، يقول أحد سكان الجزيرة سيف الدين خيري (39 عاماً) إنّه يعمل في مدينة صفاقس لدى إحدى الشركات الخاصة، ويذهب يومياً إلى المدينة من خلال اللود. تنطلق رحلته عند الساعة الخامسة صباحاً حتى يتمكن من الوصول إلى عمله عند الساعة الثامنة. إلا أن تعطل الرحلات الصباحية في كثير من الأحيان بسبب سوء الأحوال الجوية يحول دون وصوله إلى مقر عمله في الوقت المحدد.
في هذا الإطار، يرى أنّ النقل الجوي لا يجب أن يتوافر فقط ليلاً، بل يجب تخصيص رحلات جوية وتوفير نقل جوي مستمر، مضيفاً أنّ "على الدولة التكفل بذلك من دون الاتكال على الشركات الخاصة التي تتهرّب من الأمر مخافة عدم حصولها على مستحقاتها في حال تعاقدها مع الدولة لنقل المواطنين في رحلات منظمة بعدد ثلاث أو أربع رحلات يوميا مثلاً".
من الناحية الصحية، يجب توفير نقل يومي بمعدل رحلة في النهار وأخرى ليلاً على الأقل، لنقل الحالات الطارئة. ويقول أحد العاملين في مستشفى الجزيرة إن "العديد من الحالات الطارئة تحتاج إلى نقلها سريعاً إلى مستشفى صفاقس، مشيراً إلى أن رحلات اللود تتعطل بسبب الضباب أو الرياح القوية، ما يحول دون انتظام الرحلات، ويسبب عدم القدرة على نقل المرضى. كذلك فإنّ طول الانتظار يؤثر بصحة بعض المرضى. لذلك، يجب توفير نقل جوي خاص بالمرضى".