أغضبت القرارات الصادرة عن "حكومة الإنقاذ" بشأن فرض "ضوابط" على المدارس غالبية أهالي الشمال السوري، واعتبروا أنها غير مبررة وتتجاهل الواقع المعيشي القائم في المنطقة، فضلاً عن تجاهل الواقع المزري للمدارس.
وتنص القرارات على "إزالة الرسوم والصور غير الشرعية من على جدران المدارس، وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قبل طالبات المرحلتين الأساسي والثانوي، وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قبل كوادر الإناث، والفصل التام بين الطلبة الذكور والإناث في المرحلتين الأساسي والثانوي، وعدم اصطحاب الهواتف من قبل الطلبة، والابتعاد عن الموسيقى والعروض غير اللائقة أو المخالفة للضوابط الشرعية على منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسات، وفي الاحتفالات التي تقيمها المدارس داخل أو خارج المنشآت، والابتعاد عن (الموضات) المخالفة لتعاليم الدين والعادات، كحلاقة القزع، والمكياج، والتبرج".
يقول خالد أبو محمود، المقيم في ريف إدلب الشمالي، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار مفاجئ، وليس له مبرر. مجتمعنا محافظ، ولدينا هوية ثقافية ودينية، وملابس معروفة، والفصل بين الطلاب أمر واقع بعد الصف السادس الابتدائي، وبالتالي لا شيء جديداً في هذه القرارات، كما أننا لا نريد أن يملي أحد علينا الأخلاق. لكن سلطات الأمر الواقع تتصرف كما يحلو لها، وهذه القرارات تزيد وصمة الإرهاب الرائجة عن المنطقة، وتزيد من سوء أوضاع الناس".
في المقابل، ترى رقية العلي "أم أحمد" (42 سنة)، أنه من الجيد أن تكون هناك ضوابط للباس وغيره من الأمور في المدارس لضبط سلوك الطلاب، وتقول لـ"العربي الجديد": "القرار جيد من وجهة نظري، فيجب أن تكون هناك ضوابط أخلاقية، والمدرسة دورها التربية قبل التعليم، والتفلت في المدرسة يعني تفلت الطالب في المجتمع".
ويؤكد المعلم عمر ليلى لـ"العربي الجديد"، أن "القرار برمته لا داعي له، ولا سبب لإعلانه، وهو شأن داخلي خاص بالمدارس، وكان يمكن أن يعمم على المدارس، لا أن يعمم بهذا الشكل. المجتمع له هويته التي يتمسك بها، والقرار لا يغير في الواقع شيئاً، لكن سينظر إليه من الخارج على أنه تضييق على الحريات".
من جهته، يقول علي اليوسف، من مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار معيب بحق أهالي الشمال السوري، فمن يطالعه يظن أن لباس طالباتنا غير محتشم، أو مناف للعادات والتقاليد، بينما نحن نلتزم باللباس الشرعي الذي ورثناه عن آبائنا من دون توصية أو رقابة من أحد، فالأمر تعبدي يفعله المرء حفظاً لنفسه وإرضاء لربه. مجتمعنا محافظ بطبيعة الحال، ويمكن لأي متجول في إدلب أن يشاهد هذا، ونحن ضد تحويل العادات والتقاليد إلى قوانين تفرضها السلطة".
بدوره، يستهجن خالد الشيخ ملابس بعض طالبات المدارس، ويرى أنها "تصلح للحفلات، وليس للذهاب إلى مقعد صفي"، ويقول: "ملابس بعضهن لا تراعي الضوابط المدرسية المعمول بها منذ سنين، ولذا من الضروري أن يصدر قرار يحد من هذه التصرفات من غير أن يفرض نمطاً محدداً للباس. أخطأت وزارة التربية بآلية الطرح، وكان يمكن أن تتابع الوزارة الحالات المخالفة بشكل فردي من دون الحاجة إلى فرض قرار على الجميع".
من جانبها، تنتقد المعلمة روان المحمد (27 سنة)، القرارات، وتؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "70 في المائة من مدراس إدلب لا تمولها حكومة الإنقاذ، و50 في المائة من الطلاب متسربون، بينما الحكومة تركز على تحديد شكل اللباس ولونه، ومنع الاختلاط، حتى في المرحلة الابتدائية، ويبدو أن التماهي مع الخطاب الشعبوي بمثابة تعويض عن الشرعية السياسية المفقودة، وهروب من تقديم الخدمات للمواطنين".
بدورها، تقول بثينة القدري (32 سنة)، وهي والدة أحد طلاب المرحلة الابتدائية، إنها كانت تأمل بأن يصدر قرار لبحث سبل تحسين المستوى التعليمي المتهاوي، خاصة بعدما تحول معظم التعليم إلى قطاع خاص مع تراجع القطاع العام، وقلة الدعم، بدلاً من الحديث عن اللباس وفصل الذكور عن الإناث، وتضيف: "السواد الأعظم من الناس غير قادرين على إلحاق أبنائهم بالمدارس لعدم توفر المال، وتفشي الفقر والغلاء، وقلة فرص العمل، والأجدى تأمين ما يلزم للمدارس، وتغطية نفقات رواتب المدرسين، وقرطاسية الطلاب، وحل المشاكل الأساسية".
ويقول الناشط حسام البريج: "كأن اللباس الموحد هو معضلة التعليم الوحيدة. النسبة الأكبر من الأطفال تركوا التعليم إلى العمل ليساعدوا أهلهم في تأمين القوت، فيما تبحث حكومة الإنقاذ تلك الأمور التافهة تاركة المشاكل التي تعاظمت في القطاع التعليمي. تلك القرارات تدخل سافر في حريات الناس الشخصية، وحقهم في اختيار اللباس المناسب لأبنائهم، مع العلم أن مجتمع شمال غربي سورية يعتز بمفاهيم الشرع ويعمل بها من دون توصيات أو قرارات".