تختلف الطيور في ما بينها في الشكل والصوت واللغة، تماماً كالبشر الذين ينقسمون إلى أمم تنطق كل واحدة بلغة خاصة بها. فنجد لدى الطيور الأصوات القوية والضعيفة، العالية والمنخفضة، الحادة والخافتة، الصادحة والهادئة. كما نجد لكل نوع منها لغة خاصة به حيث يبلغ عدد لغات هذه الأنواع 10400 لغة، وبهذا تكون قد تفوقت على عدد لغات الإنسان التي تبلغ 6909 لغات.
ولكل نوع من أنواع الطيور لغة في وقت ما وظرف ما مثل التحدث مع الصغار لإفهامها مثلاً بوجوب السكوت وعدم التحرك ريثما يعبر العدو الذي قد يفترسها، ومن ثم لغة إعلام الصغار بالقدرة على التحرك وإصدار الأصوات بعد زوال الخطر. هذه اللغة يفهمها الصغير منذ خروجه من البيضة لأنها محفورة في جيناته، وهي صفة أقوى عند بعض الأنواع مثل الحجل والدجاجيات، بل إن الأمر يذهب أبعد من ذلك حيث نجد على سبيل المثال في مستعمرة لتفريخ الطيور أن الأم تجد صغيرها من بين آلاف الصغار، والصغير بدوره يعرف أمه من بين آلاف الأمهات، ومن منا لا يميز صوت أمه وهي تتحدث بين مجموعة كبيرة من النساء؟
إنها الذاكرة القوية عند الطيور للأصوات منذ التفقيس والتي تختزنها طوال حياتها من غير أن تنساها. ومن الأصوات عند الطيور تلك التي يطلقها أول طائر يشعر بالخطر فتفهم بقية أفراد النوع معنى الصرخة فتهرب قبل أن تشاهد الخطر بنفسها. وبالمناسبة وضعت إحدى الشركات أجهزة أصوات طيور النورس الفضي المنبهة للخطر وذلك لمنع النوارس من الاقتراب من منشأة ولكن صوت التحذير هذا لم تفهمه أنواع النورس التي تعيش في البلد الموجودة به تلك المنشأة، فضاع المجهود وكذلك الأموال سدى.
وهناك أصوات تطلقها بعض أنواع الطيور لجلب انتباه أنواع ليست من الطيور، كالإنسان أو الدب أو غرير العسل مثلاً، وتدلها على أماكن العسل في البرية، كما هي حال طائر دليل العسل الذي يستخدم هذه الحيوانات من أجل أن تعطيه بعضاً من العسل الذي لن يتمكن من تذوقه من دونها نظراً لعدم كفاءته تجاه أعداد النحل المدافعة عن الخلية.
ومن أصوات الطيور صوت الأم أو الأب اللذين يعلمان الصغار أو أحدهما الآخر بإحضار الطعام ووجوب الاستعداد لذلك، وهي أصوات قد لا يفقه معناها من لا دراية له بالطيور، ولكنها قد تكون واضحة عند الطيور الجارحة التي تطلق صيحات وهي تحمل الطعام في السماء قد يصل مداها إلى نحو 5 كيلومترات.
هذا عن الطيور عموماً. أما العصافير وهي عادة الطيور الصغيرة كالقبرة والسنونو والدخلة والهازجة والشرشور والصفراية والسمن والدخن والفري وغيرها فإن معظمها يصدح بالتغريد (الغناء) في موسم النضوج الجنسي أو يتحدث ويعبر عن نفسه بالتكتكة والصفير والزقزقة على مدار السنة. فمنها من يغني ليلاً كالعندليب والكروان ومنها من يغني نهاراً فقط كمعظم الأنواع، ولكن الغناء صفة الذكور، مع أن هناك دائماً حالات استثنائية كالغناء لدى ذكر وأنثى أبو الحن في النهار وفي الليل وفي موسم النضوج الجنسي وخارج هذا الموسم.
ومن الطيور التي تغني في النهار هناك البعض الذي يبكر في الغناء صباحاً قبل بزوغ الفجر بنصف ساعة أو أكثر، وهذه هي حال البلبل الذي يتصدر الشريط الساحلي لشرق البحر المتوسط والذي لا نجده في العادة على ارتفاع يزيد عن 1150 متراً من سطح البحر. وتستعمل هذه الطيور تغريداتها العالية لجلب الأنثى التي على ما يبدو أنها تحب الطرب وصاحبه الذي يجيد الغناء أكثر من غيره، علماً بأن إناث الطيور لا يمكن لها أن تصبح مطربة إلا في حالات استثنائية. وبعد أن تجذب الذكور الإناث بصوتها وكذلك ألوانها ورقصها وتصرفاتها، فإن الغناء يصبح لهدف آخر وهو طرد العصافير ألأخرى من المربع الزوجي، أي أن الغناء يفهم به بعد الزواج فرض هيمنة الزوج على منطقة شعاعها يتراوح عند معظم العصافير بين 50 و100 متر. أما التكتكة فهي للتواصل وتعريف الآخرين من أفراد نفس النوع بالوجود على مقربة للاستئناس والشعور بالأمان. وهذا الشعور بالأمان يسمع في الليل الهادئ عندما تمر أسراب مهاجرة وهي تتنادى في ما بينها في الظلام لتبقى مجتمعة بعضها إلى البعض الآخر.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)