"أنقذونا من الجحيم"... نساء وأطفال مقاتلي داعش المغاربة يستغيثون

28 مايو 2021
واقع ليس سهلاً (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لا تختلف حال نساء وأطفال المقاتلين المغاربة في صفوف تنظيم داعش عن حال معتقلين آخرين من أمثالهم في سورية والعراق. وهم حتى الآن متروكون لمصيرهم.

"أناشد المملكة المغربية والملك محمد السادس كي يساعدنا ويرحلنا (يعيدنا) إلى وطننا الحبيب. نحن نتعذب كثيراً هنا، والظروف قاهرة من جوع وإهمال صحي". بهذه الكلمات تكشف المرأة المغربية الشابة (أ. ر.) البالغة من العمر 24 عاماً، والمعتقلة في العراق، عن معاناة مستمرة لنساء وأطفال مقاتلي داعش من المغرب منذ سقوط التنظيم الإرهابي، في انتظار العودة من جحيم الحرب والأسر في العراق وسورية إلى حضن الوطن والأسرة. تضيف في رسالة وجّهتها إلى التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية أنّ "إدارة السجن ترحّل الأطفال الذين تطالب بهم دولهم. وأنتم أيّها المسؤولون المغاربة إذا لم تطالبوا بابنتي، فإنّهم يهددونني بوضعها في دار الأيتام... ارحموني باسترجاعي بمعيّة ابنتي إلى بلدي المغرب. كنت معززة مكرمة في وطني. واليوم أنا أدفع ثمن خطأ زوجي المغرّر به". وهي واحدة من مئات المغربيات اللواتي ينتظرنَ بفارغ الصبر أن تسمح السلطات بعودتهنّ برفقة أبنائهنّ، بعدما علقوا جميعاً في سورية والعراق على أثر اعتقال أو مقتل الأزواج الذين كانوا قد انضمّوا إلى صفوف "داعش".

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، ظلت عودة كثيرين من المغاربة من معتقلات العراق وسورية متعثّرة، على خلفية قلق عبّر عنه المغرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 إزاء "عودة المقاتلين ضمن التنظيمات الإرهابية في بؤر التوتر (سورية والعراق وليبيا)". لكنّ الأمل المنتظر بات اليوم معلقاً على ما سوف تكشف عنه في خلال الأيام المقبلة اللجنة النيابية التي شكلها مجلس النواب، وهو الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، من توصيات بشأن كيفية التعامل مع الملف وموقف السلطات المغربية.

الصورة
مخيم الهول في سورية 2 (دليل سليمان/ فرانس برس)
(دليل سليمان/ فرانس برس)

يقول منسق التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية عبد العزيز البقالي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النساء المغربيات وأطفالهنّ يعيشون في ظروف مأساوية في المعتقلات، ويعانون من جرّاء سوء التغذية ومن شبه انعدام الخدمات الطبية، ومن البرد في فصل الشتاء والحرّ في فصل الصيف، بسبب عيشهم في خيام، بالإضافة إلى عدم توفّر مدارس للأطفال". يضيف البقالي أنّ "الأوضاع في مخيّمَي الهول وروج في سورية كارثية، خصوصاً أوضاع الأطفال والنساء. وثمّة ملفات تدمي القلب تصل إلينا من هناك تتناول حالات إنسانية فريدة. إحدى تلك الحالات تتعلق بطفلَين فقدا والديهما ويعيشان في مستشفى تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر. كذلك ثمّة أرامل لم يذهبنَ للقتال، إنّما رافقنَ أزواجهنّ فوجدنَ أنفسهنّ محتجزات برفقة أطفال أنجبنهنّ على الأراضي السورية". 

ويتابع البقالي أنّ "المعاناة تزيد في ظل تبرّؤ أسر كثيرة من أبنائها وبناتها المعتقلين في سورية والعراق، رافضة بشكل قاطع أيّ تواصل معهم نظراً إلى البعد الأمني الخاص بالملف. كذلك، فإنّ عشرات الأطفال في مخيمات الاعتقال وُلدوا وترعرعوا فيها ولم يعرفوا في حياتهم مكاناً غيرها، الأمر الذي يعمّق مأساتهم". ويطالب البقالي بـ"استعادة جميع المغاربة المعتقلين والعالقين والمحتجزين في سورية والعراق، مع ضمان المحاكمة العادلة بعد عودتهم، والتدخل لدى الجهات المسؤولة والسلطات بهدف الإسراع في عملية الترحيل (إعادتهم إلى الوطن)، مع توفير المواكبة النفسية والصحية لكلّ العائدين والمساهمة في دمجهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً، وكذلك دمج الأطفال العائدين في المنظومة التربوية والتعليمية، وتسهيل الحصول على الوثائق الرسمية اللازمة". ويشير البقالي إلى أنّه "في حين نجد أطفالاً ونساء في مخيمات الرشيد والهول في شمال سورية، يقبع رجال قيد الاعتقال في سجون عراقية وأخرى سورية في الحسكة والقامشلي".

وقد أحصت التنسيقية التي تأسست في يناير/ كانون الثاني من عام 2020، حتى شهر مايو/ أيار الجاري، نحو 105 رجال و84 امرأة و235 طفلاً مرافقاً للأمهات إلى جانب 21 طفلاً يتيماً و48 طفلاً من أب مغربي وأمّ أجنبية في معتقلات العراق وسورية الخاصة بعائلات مقاتلي "داعش".

من جهتها، تفيد المعطيات الرسمية أنه حتى تاريخ  16 مايو/ أيار الجاري التحقت 288 امرأة مغربية بالحرب في سورية والعراق، عادت من بينهن إلى المغرب 99 امرأة فقط، بينما وصل عدد الأطفال إلى 391 طفلاً، عاد منهم 82 فقط. وبحسب المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فإن عدد المغاربة الذين التحقوا بالساحتين السورية والعراقية، بلغ 1659 شخصاً، لقي 745 منهم حتفهم، في حين اعتقلت السلطات الأمنية 270 منهم خلال عودتهم إلى البلاد، بموجب قانون مكافحة الإرهاب المغربي لعام 2015، الذي ينصّ على عقوبات تصل إلى السجن 15 عاماً للذين ينضمون إلى جماعات إرهابية في الخارج، حتى لو كان هذا الانضمام مجرّد مشروع أو إذا لم يكن لديهم أهداف في المغرب.   

الصورة
مخيم روج في سورية (دليل سليمان/ فرانس برس)
(دليل سليمان/ فرانس برس)

ومع تصاعد المطالب الحقوقية بإعادة المغاربة المعتقلين في سورية والعراق، على الرغم من تعقيدات ملفاتهم واختلاف المعلومات المتوفّرة حولها، لجأ مجلس النواب المغربي، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى تشكيل لجنة نيابية استطلاعية للوقوف على أوضاعهم، وقد أُسندت رئاستها إلى أمين عام حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض عبد اللطيف وهبي. وضمت اللجنة النيابية 16 برلمانياً يمثلون كتل الأغلبية والمعارضة. وفي إطار مساعيها الهادفة إلى وضع خريطة طريق للحدّ من معاناة هؤلاء المعتقلين، استمعت اللجنة النيابية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة حول أوضاع هؤلاء وتحديات إعادتهم إلى البلاد. واستمعت كذلك إلى أفراد من عائلات العالقين في سورية والعراق، فيما التقت بعدد من المنظمات الدولية التي تتابع هذا الملف.

ويقول رئيس اللجنة النيابية الاستطلاعية عبد اللطيف وهبي، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من المنتظر أن تلتقي اللجنة في خلال الأيام المقبلة وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، قبل أن تصدر تقريراً حول أوضاع العالقين والمعتقلين يُكشف عن مضامينه للرأي العام. وسوف يكون ذلك موضوعَ مناقشة في لجنة الخارجية في مجلس النواب. كذلك سوف يتضمن التقرير توصيات للحكومة حول كيفية التعامل مع هذا الملف". يضيف وهبي أنّ "تقرير اللجنة النيابية سوف يضع تصوّراً لطريقة تُسوّى من خلالها أوضاع المغاربة العالقين في سورية والعراق وإعادتهم إلى البلاد"، لافتاً إلى أنّ ثمّة "أبعاداً وطنية وإنسانية وتضامنية" لتحرّك البرلمان المغربي. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشدد وهبي على "ضرورة حماية الأطفال والنساء بإعادتهم إلى أرض الوطن من مناطق النزاع في سورية والعراق، حيث يعيشون أوضاع تشرّد، سواء الصغار الذين تيتّموا بعد فقدانهم آبائهم أو الذين لازموا أمهاتهم"، مضيفاً أنّه "كيفما كانت الحال، فهؤلاء هم أبناؤنا. وإذا ارتكب آباؤهم أفعالاً منافية للقانون، فالمسؤولية لا تقع على الأطفال". ويوضح وهبي أنّ "اللجنة النيابية سوف تتقدم بالتماسات، بخصوص إعادة المعتقلين وأُسرهم، إلى الحكومة التي تبقى لها سلطة اتخاذ القرار في ما يخص هذا الملف"، مؤكداً أنّ "الدولة تتحمل المسؤولية تجاه مواطنيها المتورطين في الحروب، سواء في سورية أو العراق، والتي خلفت وراءها ضحايا كثيرين في صفوف الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أسر بأكملها، وذلك من خلال حفظ أمنهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في التعليم".

المساهمون