على مدى الأسابيع الماضية، شهدت روسيا نقاشات ساخنة حول مشروع القانون الذي أعدّه نواب في مجلس الدوما لحظر الأمومة البديلة لغير المتزوّجين وللأجانب، بحجّة أنّها تشكّل ظاهرة "تصدير" أطفال ولا تعزّز مؤسسة الزواج. وقد احتدم الجدال ما بين مؤيّدي المبادرة ومعارضيها الذين يرون فيها انتهاكاً للحق الدستوري في الأسرة والنسل في ظل لجوء مئات الروس لمثل هذه الخدمة سنوياً.
ويقضي مشروع القانون المثير للجدال أن يكون تقديم خدمات الأمومة البديلة فقط للمواطنين الروس المتزوّجين زواجاً رسمياً وفي حال كانت الزوجة عاجزة عن الإنجاب لأسباب صحية، على ألا تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً وألا تزيد عن 55. ولن يكون في إمكان هؤلاء اللجوء إلى أم بديلة إلا بعد مرور عام على تسجيل الزواج وبتوصية من طبيب مختص. كذلك يحظر مشروع القانون وساطة الوكالات والمؤسسات الطبية، فيكون التعاقد بالتالي ما بين الوالدَين الزوجَين والأم البديلة بشكل مباشر.
في هذا السياق، تعبّر رئيسة حركة "من أجل حقوق النساء الروسيات"، المحامية ليودميلا أيفار، عن معارضتها لمشروع القانون الجديد كونه "يمنع الأجانب من تلقّي خدمة طبية متقدّمة تكنولوجياً في روسيا، بالإضافة إلى تعارضه مع الدستور الروسي". وتوضح أيفار لـ"العربي الجديد": "إذا كنّا نقدم خدمة الأمومة البديلة للروس، فلماذا نحرم الأجانب منها؟ لذلك يجب إمّا حظرها على الجميع وإمّا السماح بها للجميع. كذلك فإنّ مشروع القانون هذا يمسّ بالحق الدستوري للمواطنين في أن تكون لهم أسرة ونسل حتى إذا لم يجد الواحد منهم شريكاً مناسباً أو في حال توقف الوظائف التناسلية الأنثوية لدى الزوجة". لكنّ أيفار تقرّ بـ"ضرورة تعديل النسخة الحالية قانون الأسرة الذي يتعامل مع الأمومة البديلة"، مضيفة "يجب إدخال تعديل يضمن أولوية بل حتمية حقّ الوالدَين الزوجَين في الطفل لا الأم الحاضنة التي لا يستطيع أحد إلزامها بالتخلي عنه في الوقت الراهن". يُذكر أنّ المادة 51 من قانون الأسرة الروسي تنصّ على أنّه لا يجوز تسجيل الوالدَين كوالدَي الطفل إلا بموافقة الأم البديلة التي أنجبته، فيما تمنع المادة التالية (52) من القانون ذاته الأم البديلة من الطعن في هوية الطفل بعد تسجيله من قبل الوالدَين. وتلفت الناشطة الروسية إلى أنّ "الأم البديلة تتقاضى أجرا يتراوح ما بين 500 ألف روبل ومليون ونصف مليون روبل (ما بين سبعة آلاف دولار أميركي و20 ألفاً تقريباً)، بالإضافة إلى تحمّل المتعاقدين معها كلّ نفقاتها المعيشية والطبية في خلال فترة الحمل، فيما يُشترط على الأم البديلة أن تكون قد أنجبت سابقاً".
ووسط ارتفاع أسعار خدمات الأمومة البديلة قياساً بمستوى الدخل في روسيا، يكاد هذا الخيار يبقى حكراً على الأثرياء ونجوم الفن. ومن بين النجوم الروس الذين لجأوا إلى مثل هذه الخدمة، المطربة الأشهر في روسيا آلا بوغاتشوفا وزوجها الذي يصغرها سناً الفنان الساخر مكسيم غالكين، إذ أنجبت أم بديلة لهما توأمَين في عام 2013، حين كان عمر بوغاتشوفا قد تجاوز 60 عاماً. من جهته، استعان المطرب الشهير فيليب كيركوروف وهو زوج سابق لبوغاتشوفا، بأم بديلة أنجبت له توأمَين كذلك، وهو يقوم بتربيتهما بنفسه إذ إنّه غير متزوّج.
ومن بين الحوادث التي أدّت إلى احتدام النقاشات حول ضرورة تعديل إجراءات الأمومة البديلة في روسيا، واقعة ضبط أربعة أطفال رضّع، كان أحدهم ميتاً في شقة بمنطقة أودينتسوفو في ضواحي موسكو. وقد تمّ اعتقال سبعة أشخاص في هذا الإطار، من بينهم عدد من الأطباء، ووجّهت إليهم تهم بمخالفة القانون في مجال تقديم خدمات الأمومة البديلة. وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رصدت الهيئة الفيدرالية الروسية للمراقبة على الرعاية الصحية "روس زدراف نادزور"، 48 حالة تقديم خدمات التقنيات الإنجابية المساعدة بما فيها الأمومة البديلة إلى رجال أجانب غير متزوّجين وبلا توصيات طبية.
من جهته، يؤكد مدير المؤسسة المسيحية "سيتيزين غو" المعنيّة بحماية الأسرة في روسيا، بافيل بارفينتييف، دعمه لمشروع قانون تقييد الأمومة البديلة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "نحن نرى الأمومة البديلة انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان وواحدة من الممارسات غير الأخلاقية التي يجب حظرها أو على أقلّ تقدير فرض قيود كبيرة عليها لمنع المظاهر المظلمة لهذا البزنس". يُذكر أنّه منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أُطلقت على موقع "سيتيزين غو" عريضة تطالب مجلس الدوما بحظر الأمومة البديلة وقد صنّفت بمثابة "اتّجار بالأطفال". وجاء في مقدّمة العريضة التي أعدّها "اتحاد النساء الأرثوذوكسيات" وجمعت نحو 55 ألف توقيع حتى الآن: "قد يصدمكم ذلك، فقد تحوّلت روسيا إلى سوق بيع أطفال للأجانب، بما في ذلك عائلات المثليّين. وهذا البزنس الإجرامي يؤدّي إلى وفيات بين الأطفال". أضافت العريضة أنّه "في العام الماضي وحده، انكشفت بشكل رسمي معلومات عن وفاة ثلاثة أطفال ولدوا بواسطة الأمومة البديلة. وقد رُفعت قضية جنائية بشأن الاتّجار بالأطفال. وتبيّن أنّ الأطفال مطلوبون كثيراً من قبل مثليي الجنس الأجانب". وتابعت العريضة نفسها: "يقولون لنا إنّ هذا هو الأمل للعائلات التي هي بلا أطفال. لكنّ الواقع كشف عن بزنس قذر يتعلّق بالاتّجار بالأطفال. ويبلغ حجم أعمال سوق الأطفال مليارات الدولارات. هذا عار لبلدنا العظيم".
وكانت مجموعة من النواب في الدوما قد أعدّت في يناير/ كانون الثاني الماضي، مشروع قانون من شأنه تنظيم مجال الأمومة البديلة في روسيا، جاء في مذكرته التوضيحية أنّ "ظاهرة استخدام الأمومة البديلة التي اكتسبت انتشاراً كبيراً تخلق إمكانية مباشرة أو غير مباشرة لإلحاق ضرر بالمصالح الوطنية، وتشكّل بأدنى تقدير تهديداً للأمان الاجتماعي وكذلك الاقتصادي وللسلامة الشخصية وكذلك البيولوجية". أضاف معدّو مشروع القانون أنّ "تصدير" الأطفال الذين أنجبوا من خلال أمهات بديلات "يلحق ضرراً كبيراً بالسمعة الدولية لبلادنا ويتعارض مع المبدأ المنصوص عليه في الدستور المعدّل بأنّ الأطفال هم أكبر أولويات سياسة الدولة في روسيا".