أقرّ ما يسمّى بـ "مجلس الشعب" التابع للنظام السوري قانوناً يشرّع الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب أمر قضائي، والتي تعود غالبيتها لمعارضي النظام، في خطوة تفتح الباب أمام الاستحواذ على هذه الأموال، وهو ما يعتبر تعدياً سافراً على حقوق سوريين.
وسمح المشروع لرئيس مجلس الوزراء بتخصيص جزء من الأموال المذكورة لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة.
وزعم وزير المالية في حكومة النظام السوري كنان ياغي أن "القانون يهدف إلى ضمان تحقيق المنفعة العامة والمساهمة في تأمين احتياجات سير المرافق العامة للدولة"، في حين وصفت الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، في بيان أصدرته، القانون بأنه "تشريع لجريمة سلب ممتلكات السوريين، وهو ينتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان لكونه يستهدف مباشرة ملايين المعارضين الذين جرى تلفيق تهم إرهاب لهم، وجرت محاكمتهم حضورياً أو غيابياً أمام ما تسمى محكمة الإرهاب التي لا تلتزم بأي أصول قانونية، وتتحكم بها عصابات الأمن المجرمة".
وكانت محكمة الإرهاب أصدرت خلال سنوات الثورة عشرات الأحكام في حق سوريين تضمنت مصادرة ممتلكات المحكومين. وأصدرت عدة نشرات بأسماء معارضين معروفين جرت مصادرة أملاكهم خلال محاكمات غيابية. وردت بيانات أصدرتها جهات حقوقية حينها بإدانة هذه الأحكام التي اعتبرتها غير قانونية، ما دفع النظام إلى إصدار القانون الجديد بهدف تشريع الأحكام.
ويوضح الحقوقي والمحامي عبد الناصر حوشان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "القانون يندرج ضمن التشريعات التي أقرّها بشار الأسد منذ عام 2011 بهدف القضاء على الثورة ومعاقبة السوريين. وهو يخالف الدستور خاصة المادة رقم 15 التي تحظر مصادرة الأموال، وهدفه الواضح الاستيلاء على أموال سوريين يصفهم بأنهم ارتكبوا جريمة خيانة، ويطاول أموال السوريين المتهمين أو المعتقلين أو المُغيّبين أو المختفين قسرياً أو المحكومين غيابياً، وأموال عائلاتهم المنقولة وغير المنقولة وعائداتها عبر طرحها للاستثمار".
ويشير إلى أن "القانون يفتح الباب أمام دخول الشركات الإيرانية والروسية والاماراتية لاستثمار هذه الأموال، فالنظام السوري لا يدّخِر وسيلة لجلب المنفعة والمال حتى لو اضطر إلى نسف المبادئ والأعراف القانونية التي تحرص على استقرار التشريعات واستمرارها، وعدم تعريضها للتغيّير المستمر والمتقلّب بدون ضوابط توضيح الأسباب الموجبة التي يجب أن تكون مقنعة وتحقّق المصلحة العامة".
في المقابل، يقلل المحامي نضال غزالي المتحدر من جنوب البلاد، في حديث لـ"العربي الجديد"، من التبعات السلبية للقانون "فمبدأ مصادرة الأموال ليس جديداً وموجود في قانون العقوبات السوري. وربما يصح القول إن القانون الجديد خلق آلية جديدة للتصرف بهذه الأموال".
ويقول المحامي شادي العزام لـ"العربي الجديد": "لا يوجد في القانون السوري ما يُبطل قانوناً أو تشريعاً أقرّه مجلس الشعب بالأكثرية إلا إذا وُجد قانون مناقض وساري المفعول في أساس الدستور، وهذا غير موجود أو وارد في هذه الحالة التي تُعتبر خطيرة واستثنائية في تاريخ التشريع السوري".
يتابع: "القانون الجديد الذي أقرّه مجلس الشعب السوري باستثمار وإدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة التي جريت مصادرتها بموجب حكم قضائي مبرم يُعطي الحق إلى رئيس مجلس الوزراء بتوجيه هذه الملكيات إلى الوزارة المختصة مثل المالية والزراعة بإدارة واستثمار هذه الملكيات".
ويوضح أنه "لا يمكن إبطال هذا القانون إلا عبر القانون الدولي والمحاكم الدولية بادعاء فردي أو جماعي وفق قانون القواعد الآمرة في القانون الدولي التي تمنع إصدار قوانين محلية تنتهك حقوق الإنسان. ويجب أن يثبت الادعاء أن القانون يستهدف أملاك المعارضين والمتهمين من دون محاكمة عادلة".
ويرى العزام ان "القانون يستكمل آخر يحمل رقم 10 الصادر عام 2018 الذي يقضي بإمهال النازحين والمهاجرين 30 يوماً لإثبات ملكيتهم للعقار قبل أن تصادره الدولة، علماً أنه صدر في وقت تواجد ملايين السوريين في الخارج، ما يؤكد أن هدفه الأول كان حرمان اللاجئين السوريين من عقاراتهم".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أوضحت في بيان أصدرته عام 2016 أن "الحكومة السورية تعاقب أسرا بكاملها مرتبطة بأشخاص مدرجين تعسفاً على لائحة الإرهابيين عبر تجميد أموال تلك العائلات المنقولة وغير المنقولة". ووثّقت حينها استخدام السلطات السورية لغة فضفاضة في قانون مكافحة الإرهاب لتجريم تقديم المساعدات الإنسانية، أو الاعتراض السلمي أو توثيق انتهاكات إنسانية".