ألمانيا وبيليه وصينية المحشي

06 ديسمبر 2022
بيليه في قميص نادي النجمة اللبناني (فيسبوك)
+ الخط -

لا أذكر متى بدأت أشجع منتخب البرازيل. أظن أن ذلك كان في مونديال عام 1986. في العائلة الصغيرة كنا دائماً مشجعين للبرازيل، أما العائلة الكبيرة فظلّت منقسمة بين مشجعين برازيليين ومشجعين ألمان من الذين ضلّوا الطريق. العائلة الكبيرة انقسمت أيضاً بين تشجيع ناديي النجمة والأنصار، الفريقين البيروتيين والغريمين اللدودين في الدوري اللبناني. ولا حاجة للقول إن مشجعي العائلة من نادي الأنصار هم من ضلّوا الطريق.
نضحك أنا وأصدقائي الذين يتشابهون معي في خياراتي الكروية عندما نقول إن أسلوب لعب منتخب البرازيل يشبه أسلوب لعب نادي النجمة، ونحب منتخب البرازيل لأننا نحب نادي النجمة. نقول هذا الكلام بطرافة الذي يؤلف قصة من مخيلته ويصدّقها. ونتفق أن لاعبي الفريقين يحبون الألعاب الفنية. كرة القدم استعراض وفنّيات وتسلية وليست أهدافاً وكؤوساً فقط. 
يقولون إن بيليه يعيش في هذه الأيام لحظات حرجة من حياته وربما كانت آخرها. المرة الأولى التي سمعتُ فيها بهذا الاسم، وكنت بعد طفلاً، كانت من أبي. قال يومها إن منتخب البرازيل يملك جوهرةً سوداء تحقق الأهداف له، ولم أفهم. لم أكن قد سمعتُ عن هذا اللقب الذي التصق بأحد أشهر لاعبي كرة القدم في كل العصور. ظننت بالفعل أن الفريق يملك جوهرة لونها أسود، هي بمثابة تميمة حظ له تؤمن له الفوز الأكيد على بقية الفرق. وربما كان بيليه، الذي رفع كأس العالم ثلاث مرات مع منتخب بلاده، هذه التميمة بالفعل.
عندما روى لي أبي أن بيليه جاء ولعب مباراة كرة قدم في لبنان لم أصدقه بدايةً. لم نعتد أن نسمع عن لاعبين ونجوم عالميين يحضرون إلى بلادنا. فمستوى الرياضة بيننا وبينهم لا يسمح بهذا الترف في الأحلام. لكن القصة كانت حقيقية. حضر بيليه وشارك في المباراة التي أقيمت بين نادي النجمة وفريق من طلاب الجامعات التي تدرّس باللغة الفرنسية. لعب بيليه مع فريق النجمة في المباراة التي أقيمت على أرض المدينة الرياضية، قبيل بدء الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990). كانت المدينة الرياضية الصرح الرياضي الأكبر في لبنان والذي ستدمّره إسرائيل خلال اجتياحها لبنان في عام 1982 قبل أن يعاد بناؤه بعد انتهاء الحرب الأهلية. لبس بيليه قميص نادي النجمة، وشارك في المباراة التي حضرها الآلاف من جمهور نادي النجمة وجماهير الفرق الأخرى لمشاهدة بيليه. أما لماذا شارك الملك مع النجمة تحديداً دون غيره من الفرق اللبنانية، أفلم أقل لكم في البداية إن نادي النجمة يلعب مثل منتخب البرازيل؟

موقف
التحديثات الحية

يروي أبي ما علق من قصص هذه المباراة في ذاكرته بكثير من الحب. يقول: ذهبنا إلى الملعب كمجموعة من الأصحاب قبل انطلاق المباراة بساعات. أخذنا معنا كميات كبيرة من الطعام والشراب والمعمول بالجوز والفستق. الراحل عصام دعبول (أحد أصدقاء والدي)، والذي كان رياضياً يمارس كمال الأجسام حمل معه صينية كبيرة من الكوسا المحشي بالأرز واللحم إلى الملعب. كانت هذه الوليمة لزوم الحدث غير المألوف. عندما ظهر بيليه في الملعب جُنَّت الجماهير. كانت لحظة لم تتكرر في الملاعب اللبنانية.
لم تغيرني الأربعينات. ما زلت أحب الأصفر والأزرق بحماسة الفتى الذي كنته بالأمس. قبل سنوات، زرتُ ألمانيا، مهد الكرة الأوروبية والغريم اللدود. قضيتُ فيها شهرين، تنقلتُ خلالهما بين مدن عدة وفي بعض الأرياف. أحببت البلاد وأهلها وأغرمتُ ببرلين. أعجبت بلطف الألمان واحترامهم للوقت، وتعلّقهم بكرة القدم التي يمارسها الأولاد عندهم في سن مبكرة في أكاديميات وفرق متخصصة. ومع إعجابي بالبلاد وتأثري بها لم أنافق الألمان. وفي كل حديث كروي دار هناك اعترفت دائماً بأنني أشجع البرازيل... وسأبقى.