ألكسندر سوفوروف (1730 - 1800)، قائد عسكري بارز في عهد روسيا القيصرية، حمل رتبة "غينيراليسيموس" الأعلى في الإمبراطورية الروسية، واشتهر بخوضه سبع حروب كبرى و60 معركة لم يخسر أياً منها، ما حتم تدوين اسمه في الكتب الروسية التي تتناول التاريخ الحربي والفنون العسكرية، وتعليق صوره في فصول التاريخ بالمدارس.
واليوم يتصدر اسم سوفوروف عناوين الصحافة والنقاشات المجتمعية الروسية في سياق مغاير، بعد إعلان بطريرك موسكو وسائر روسيا، كيريل، أثناء افتتاحه المجمع الكنسي (السينودوس) في 24 أغسطس/ آب الماضي، أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ستناقش قضية تقديس القائد العسكري الأعظم بعد رفع القضية إلى لجنة التقديس التابعة للمجمع.
وعرف عن سوفوروف، بحسب مذكرات أشخاص عاصروه، أنه كان مسيحياً أرثوذكسيا عن قناعة، وكان يؤدي الصلوات ويقصد الكنائس ويصوم ويتبرع للكنيسة. وكانت خطاباته إلى الجنود مليئة بالشعارات والقيّم المسيحية التي تشدد في تطبيقها. ويقولون أيضاً إنه "تحدث مرات في عمر متقدم عن رغبته في أن يصبح راهباً، ما يعزز براهين داعمي فكرة تقديسه".
واللافت أن طرح القضية على مستوى السينودس جاء بمبادرة من وزارة الدفاع، علماً أن جمعية "تسارغراد" ذات التوجهات القومية الملكية المحافظة كانت قدمت سابقاً طلباً لتقديس سوفوروف.
وعموماً شهدت روسيا تقديس عدد لا بأس به من العسكريين بينهم الأمير فلاديمير، الذي أصبح قديساً للكنيسة الأرثوذكسية في النصف الثاني من القرن الـ13، والأمير ألكسندر نيفسكي الذي أعلن قديساً عام 1547 بعدما حمى روسيا من هجمات السويديين والألمان، وتوصل إلى اتفاق السلام مع مؤسس القبيلة الذهبية، القائد العسكري المنغولي، باتو خان.
أيضاً جرى تقديس الأمير دميتري دونسكوي الذي حقق نصراً حاسماً على القبيلة الذهبية في معركة "كوليكوفو" عام 1380، ودوفمونت بسكوفسكي الذي هزم الألمان.
وعام 2001، جرى تقديس الأميرال فيودور أوشاكوف الذي عاش حياة صالحة، وتميّز بتدينه الكبير.
ويعتبر كبير الباحثين في قسم الدراسات الاجتماعية والسياسية في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عالم الأديان، رومان لونكين، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن فكرة تقديس سوفوروف تلبي فكرة إقبال الدولة الروسية والمجتمع على إبراز بطل عسكري في سياق روحي كأب للجنود وقائد حربي لا يقهر في أصعب ظروف النزاع المسلح مع أوكرانيا.
ويُعد سوفوروف إحدى الشخصيات التاريخية التي جمعت بين مضاعفة مجد روسيا وتعزيز دولتها، وبين الإيمان العميق المستند إلى قوة الصلوات.
وباعتبار أن سوفوروف عرف بالتزامه الديني وأدائه الصلوات، لا يرى لونكين عقبات أمام تقديسه، ويقول: "يمكن تقديس سوفوروف من وجهة النظر الكنسية الذي قد تصنّفه مقاتلاً صالحاً على غرار الأميرال فيودور أوشاكوف الذي كرّس نفسه في نهاية حياته للأعمال الخيرية، وساعد دير ساناكسار في منطقة موردوفيا الروسية، لكن عملية تقديسه قد تستغرق وقتاً طويلاً، فلجنة مجمع الكنيسة الأرثوذكسية تجري دراسة عميقة لسيرة كل مرشح للتقديس، وترصد وقوع معجزات بعد وفاته للتحقق إذا كانت هناك إشارة إلهية ما لتقديسه. وبالنسبة إلى الكنيسة هذه نقطة مهمة تؤكد صلة المرشح بأشخاص لجأوا إليه أو تذكروه. إضافة إلى ذلك يجب أن يصادق السينودس وكاتدرائية الأساقفة على التقديس".
ولا يستبعد لونكين احتمال استحداث وسام كنسي يحمل اسم "القديس ألكسندر سوفوروف" بعد تقديسه على غرار وسامي القديس ألكسندر نيفسكي وسوفوروف اللذين اعتمدا خلال الحرب العالمية الثانية.
ويعتبر سوفوروف بين القادة العسكريين الذين يكن لهم الروس احتراماً خاصاً، إذ نال خلال حياته ومماته معاً مجداً كبيراً بعدما انتصر على الأتراك والبولنديين والفرنسيين.
وفي الإمبراطورية الروسية، أطلق اسمه على أحد الأفواج، وبُني متحف مكرّس له رغم أن ذلك كان شرفاً نادراً في ذلك الزمن. وفي حقبة الاتحاد السوفييتي، أطلق اسم سوفوروف على أهم الكليات العسكرية. وفي روسيا ما بعد السوفييتية، استحدث وسام وميدالية باسمه. كما يعد سوفوروف من المنظرين العسكريين البارزين، ومن أشهر مؤلفاته كتاب "علم الانتصار" الذي يصنّف بين أبرز الأعمال في النظرية العسكرية حتى اليوم.
وحقق سوفوروف ذروة مجده خلال الحروب الروسية - التركية في عهد الإمبراطورة الروسية يكاتيرينا الثانية، والتي أسفرت عن تخلي الإمبراطورية العثمانية عن مطالبها بانتزاع شبه جزيرة القرم ووصول الإمبراطورية الروسية إلى سواحل البحر الأسود، ما يزيد أهمية رمزيته التاريخية اليوم في ظل ظروف استمرار الحرب في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا.
وكانت السلطات المحلية في مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية قد أزالت تمثالي يكاتيرينا الثانية وسوفوروف نهاية العام الماضي.