أكثر من مليون تلميذ متسرّب في سورية... وبرنامج تعليم بدعم أممي

06 ديسمبر 2021
التسرّب المدرسي يهدّد هؤلاء الصغار أيضاً (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

لا شكّ في أنّ الأزمة في سورية أثّرت سلباً على حياة السوريين بمختلف مناحيها، وفقدان مئات آلاف الأطفال حقّهم في التعليم من بين أسوأ ما سُجّل في خلال الأعوام العشرة الماضية. ويعود التسرّب المدرسي إلى الأعمال العسكرية والفقر وفقدان المعيل وأسباب أخرى، الأمر الذي يهدّد المجتمع، في حين تبقى البرامج والإجراءات التي تتّخذها سلطة الأمر الواقع في مناطق النظام السوري والمنظمات الدولية دون مستوى الاحتياجات.

محمد الحاج علي، يبلغ اليوم من العمر 17 عاماً، وهو مقيم في دمشق، يخبر "العربي الجديد": "تركتُ المدرسة قبل سبعة أعوام، وتوجّهتُ إلى العمل لأساعد أسرتي في تأمين تكاليف المعيشة". يضيف: "كنتُ أتمنّى أن أكمل تعليمي، لكنّ هذا قدري". وعن إمكانية عودته إلى المدرسة من جديد، يقول محمد إنّ ذلك "أمر صعب. فأنا غير قادر على التوقف عن العمل. لكن في حال توفّر ذلك في دوام مسائي أو في أيام العطل من دون أن يستغرق وقتاً طويلاً، فسوف يكون فرصة العمر".

من جهتها، تبلغ سلوى الأحمد من العمر 18 عاماً اليوم، وهي تقيم في دمشق أيضاً، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "النزوح وفقدان والدي والعوز، كلّ ذلك أجبرني على ترك المدرسة. اليوم أعمل 12 ساعة يومياً وأنا متزوجة ولديّ طفل". أمّا بخصوص العودة إلى المدرسة فهذا "أمر صعب"، تقول. وتضيف سلوى: "أتمنى أن يتمكّن ابني من التعلّم فيعوّض ما خسرته أنا. حتى زوجي ترك المدرسة وهو صغير ليعمل ويساعد عائلته". وتلفت سلوى إلى أنّ "الوضع الاقتصادي السيئ وطول ساعات العمل لا يتركان لنا متّسعاً من الوقت للاجتماع مع العائلة، فكيف الأمر بالنسبة إلى استكمال التعليم أو تعلّم أيّ شيء آخر"، مشدّدة على أنّ "من يريد التعلّم عليه أن يكون قادراً على تأمين طعامه".

في سياق متصل، أكد مدير "مركز القياس والتقويم التربوي" في وزارة التربية التابعة للنظام السوري رمضان درويش العمل على برنامج تعليمي جديد أطلقته الوزارة في عدد من المحافظات، وأشار، في تصريح لصحيفة محلية، إلى أنّ البرنامج يهدف إلى استيعاب المواطنين الذين لم تُتح لهم فرصة التعلّم في خلال الحرب والذين تراوح أعمارهم ما بين 15 عاماً و24.

أضاف درويش أنّ المستهدَفين قُسموا إلى فئتَين؛ الأولى هي الفئة التي تعمل عليها وزارة التربية بالتعاون مع المنظمات الدولية منذ فترة، وتضمّ الأطفال من سنّ ثمانية أعوام حتى 14 عاماً. وهؤلاء يُستوعبون في البرنامج وفق خطة تربوية محدّدة ومنهاج تدريسي معتمد في كلّ المحافظات. أمّا الفئة الثانية فهي فئة اليافعين والشباب من 15 عاماً إلى 24، وهم الذين يشكّلون أغلبية المتسرّبين من العملية التربوية والذين حرمتهم الحرب من المدرسة.

وعن عدد المتسرّبين، أوضح درويش أنّه لا يمكن حصره في الوقت الحالي، لكنّ المؤشّرات المتوفّرة تؤكد أنّه تجاوز مليوناً و100 ألف متسرّب في خلال الأعوام العشرة الأخيرة. ورأى درويش أنّ هؤلاء اليافعين بمعظمهم صاروا في سوق العمل اليوم، لذلك فإنّ إعادتهم إلى العملية التعليمية "تشكّل تحدياً كبيراً"، لافتاً إلى أنّ برنامجاً وُضع لتعليم هذه الفئة بالتعاون بين وزارة التربية ووزارتَي الثقافة والشؤون الاجتماعية والعمل ومؤسسة الأمانة السورية للتنمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

ويتابع درويش أنّ التجربة الأولى بدأت في ثلاث محافظات هي دمشق وريفها وحلب، وقد تسجّل خمسة آلاف تلميذ من تلك المحافظات في البرنامج الذي من المقرّر بدؤه في الأيام المقبلة. وقد وُضعت حقيبة تعليمية للبرنامج تتناسب مع إمكانيات تلك الفئة، وبهدف توفير التعليم المناسب لها تمّ تأهيل 120 مدرّساً في كلّ محافظة للعمل في هذا البرنامج.

ويوضح درويش أنّ البرنامج يقوم على تنمية مهارات اليافعين والشباب الحسابية والقراءة والمهارات الحياتية الأخرى، وقد تمّ التركيز في هذا البرنامج على ربط كلّ ما يتلقونه في هذه الدورات بواقع الحياة وتفاعلاتها.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ دائرة تعليم الكبار في وزارة التربية تقيم دورات مستمرّة، مدّة كل كلّ واحدة منها ستّة أشهر، يُمنح المنتسب إليها في نهايتها شهادة محو أمية، ويمكن له بعد الدورة أنّ يلتحق بدورة تمكين لمدة ثلاثة أشهر، يُمنح في نهايتها وثيقة تمكّنه من التقدم للحصول على شهادة التعليم الأساسي.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، قد أطلقت نداء بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، أوضحت فيه أنّ في سورية أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحق بالمدرسة، 40% منهم تقريباً من الفتيات. ومن المرجّح أن يكون العدد قد ارتفع في خلال عام 2020 نتيجة تأثير أزمة كورونا التي أدّت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سورية (كما في بلدان عديدة أخرى).

وبحسب "يونيسف" أيضاً، فإنّ مدرسة واحدة من بين كلّ ثلاث مدارس في سورية لم تعد صالحة للاستخدام، لأنّها تعرّضت للدمار أو للضرر أو لأنّها تُستخدم لأغراض عسكرية. أمّا الأطفال القادرون على الالتحاق بالمدارس، فإنّهم يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ولا على مرافق صرف صحي مناسبة ولا كهرباء أو تدفئة أو تهوية.

كذلك لفتت المنظمة الأممية إلى أنّ قطاع التعليم يعاني من نقص مزمن في التمويل، مؤكدة أنّ النداء الذي أُطلق في العام الماضي من أجل التعليم لم يلقَ تجاوباً سوى بتأمين ثلث المتطلبات الأصلية. وتابعت أنّ تمويل التعليم المستدام وطويل الأمد سوف يساعد على سدّ الفجوة ودمج الأطفال في التعليم، وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها لإعادة بناء بلدهم عندما يعود السلام إلى سورية.

المساهمون