لا تزال يُمن شيخ الحدّادين تذكر الصدمة التي شعرت بها لدى معرفتها بإصابة طفلها مصطفى بمتلازمة داون بعد ولادته. وتقول: "شعرت بحرقة في القلب. زرت الكثير من الأطباء والجميع أكّد لي أنّه لا مجال لعلاجه فرضيت بقسمتي. ومع الأيّام، تعلقت به كثيراً. حين يبتسم، تضحك لي الدنيا. وعندما خطا خطواته الأولى، كان عرساً بالنّسبة إليّ. أدعو الله دائماً أن يهيئ له أناساً يحبّونه ويساعدونه".
لا تخلو تربية الطفل المصاب بمتلازمة داون من المصاعب، بحسب يمن. وتوضح أن طفلها "يميل إلى العناد والتشبث بالرأي وعدم الاستجابة في بعض الأحيان. ويعاني صعوبة في النطق وضعفاً في مناعة الجسم. كما أنه كثيراً ما يشعر بالملل ويحب الخروج من المنزل".
وتوضح أن مركز "القلوب البيضاء" المخصص لرعاية الأطفال المصابين بمتلازمة داون في مدينة إدلب، والذي يرتاده طفلها، يساهم في تدريب الأطفال على مهارات الحياة اليوميّة والاستجابة للأوامر الصوتيّة والالتزام والانضباط والتعاون ضمن مجموعة، الأمر الذي يحد من الأنانيّة لدى الطفل المصاب. يضاف إلى ما سبق جلسات العلاج الفيزيائي والنطق والترفيه والترويح عن النفس واللعب، ما أدى إلى تعلق الأطفال بالمركز ومدربيه. أما رعاية الأهل، فتشمل النواحي الاجتماعية والمادية والصحيّة وتأهيل الطفل للتعامل مع المجتمع الخارجي".
وفي ما يتعلق بالمشاكل التي تواجهها، تتحدث عن التنمر. وتقول: "حالات التنمّر والسخرية التي تعرّضنا لها قليلة"، مشيرة إلى "الإيجابيّة في التعامل من قبل المجتمع، وإن كان هناك نظرة شفقة وحزن أحياناً".
من جهتها، تقول والدة الطفل مهنّد الإبراهيم هند لـ"العربي الجديد": "منذ ولادة ابني، شعرنا بأنه غير قادر على التحكم بأعصابه أو رفع رأسه. راجعنا الطبيب وتمّ تشخيص الحالة. والصعوبات هي تأخّر في النّطق لديه ما يؤدي إلى تأخره دراسيّاً، بالإضافة إلى المزاجية والعناد وغير ذلك".
وفي ما يتعلّق بالمركز، تقول إنه يدرب الأطفال المصابين بمتلازمة داون على ممارسة بعض المهارات الحياتيّة، وصقل سلوكياتهم، وتحفيز وتنشيط عقولهم من خلال ممارسة بعض الأنشطة الهادفة، بالإضافة إلى دمجهم مع الأطفال الذين لا يعانون من أية صعوبات من حين إلى آخر".
وتثمّن هند دور الأهل قائلة: "إذا كان هناك متابعة لحالة الطفل منذ الولادة، يمكن أن يكونوا قادرين على مده بالمهارات اللازمة على غرار المراكز المتخصصة. لكن للمركز دور مهم لأن وجود الطّفل بين أقرانه ينمي قدراته، بالإضافة إلى ما يقوم به المركز من دمج للطفل المصاب بمتلازمة داون مع غير المصابين". تضيف أن المركز يساهم في اكتشاف مهارات الأطفال وتطويرها بالتحفيز والتشجيع، الأمر الذي يزيد فعاليتهم في المجتمع. وهذا ما لا يمكن للأهل أن يقوموا به داخل المنزل".
إلى ذلك، تقول مديرة مركز "الأمل" للأشخاص ذوي الإعاقة غنوة نواف، لـ "العربي الجديد"، إن "التدريب على المهارات الاستقلاليّة التي تندرج تحت مسمّى الخصائص الشخصيّة مثل الاعتماد على الذات وتنمية الثقة بالنفس والتكيّف الناجح هي من أهمّ متطلّبات العناية بالأطفال المصابين بمتلازمة داون". وتوضح أن "احتياجات المراكز الموجودة كبيرة ولا تغطّي جميع الأطفال. الكوادر العاملة تحتاج إلى تدريبات مستمرة لإتقان العمل مع الأطفال وتطبيق البرامج المعتمدة لتنفيذها ضمن المراكز. هناك عدد كبير من الأطفال الذين لا يستطيعون زيارة المراكز بسبب عدم قدرة الأهل على تأمين بدلات المواصلات".
كما تفتقر المراكز القليلة المتوفرة، بحسب نواف، إلى "مدرّبين يتمتعون بالمهارات اللازمة للتعامل مع هذه الفئة من الأطفال. كما يطلب البعض أجوراً عالية علماً أن الأهل لا يستطيعون توفيرها. وتشكل المواصلات، في ظل غلاء المحروقات، عبئاً على الأهل ما يمنعهم أحياناً من إرسال أطفالهم إلى هذه المراكز للحصول على المهارات اللازمة والاعتماد على الذات". وتشير إلى أن "المراكز تعاني من جراء قلة الدعم وبالتالي صعوبة تأمين رواتب للمدرّبين وباقي متطلّبات المركز مثل اللوجستيّات والمصاريف".
وخلصت دراسة أعدها مركز "جسور للدراسات" صدرت في 28 مارس/ آذار الماضي، إلى وجود 807 أطفال مصابين بمتلازمة داون في مناطق إدلب وريف حلب الغربي، ضمن المنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة (شمال غربي سورية). وأكدت الدراسة أنّ 6 في المائة فقط من هؤلاء الأطفال يتلقون دعماً واهتماماً من جهات مختصة بمتلازمة داون، علماً أن 94 في المائة منهم لا يتلقون دعماً أو اهتماماً خاصاً.
وأعد المركز الدراسة بالتعاون مع كل من مؤسسة "إنفورميشن" لتحليل البيانات ومنظّمة "شارك" المعنية برعاية الأطفال المصابين بمتلازمة داون. ويوضح معّد الدراسة والباحث في مركز "جسور" وائل علوان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الدراسة تهدف إلى تسليط الضوء على هذه الفئة من الأطفال. ويقول: "كونها لا تلقى خصوصيّتها التي تحتاجها، وكون رعاية هذه الفئة تكون ضمن مراكز الأطفال ذوي الإعاقة، تحدث مشاكل لها وبقية الحالات".
ويؤكّد علوان أن الطفل المصاب بمتلازمة داون يحتاج إلى متخصصين لتقييم استجابته، لناحية النطق والفهم والإدراك والجوانب الحسيّة والحركيّة، والتفاعل مع المجتمع والحالة النفسية وتقبّل التعليم والاحتكاك بالآخرين. يضيف: "استعان فريق مؤسسة شارك بالخبراء من مركز القلوب البيضاء ليكونوا جزءاً من المسح الميدانيّ. أعتقد أنّ الدراسة هي الأولى من نوعها لناحية المنهجية العلمية المعتمدة على مستوى المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام شمال غربي سوريّة. وبعدما أعد فريق جسور مجموعة مقابلات مع أهالي الأطفال المصابين وأطباء ومشرفين ضمن المركز، كان هناك لقاء مع جيران الطفل المصاب".
يتابع علوان: "من المهمّ جدّاً فهم التحديات وعوامل الضعف والمشاكل والهواجس والمخاوف التي تعتري المصاب وأهله، والدّائرة المقّرّبة منه، وهنا كان دورنا لفهم أسباب هذه المشاكل وحلّها ووضع التوصيات والمقترحات. هذا الجانب الإنسانيّ هو جانب مهمّ"، لافتاً إلى أن إهمال الأطفال المصابين بمتلازمة داون يسبب مشاكل لهم ولأسرهم. يضيف: "للأسف، تخجل بعض العائلات بأطفالها وتمنعهم من الانخراط في المجتمع، ما يزيد من سوء حالتهم، علماً أنه يمكن لهؤلاء الأطفال أن يكونوا جزءاً فعالاً في المجتمع إذا ما حصلوا على المساعدة من المنظّمّات والمراكز المختصّة".
وبحسب الدراسة، يقول علوان إن المطلوب هو "دعم وجود مراكز خاصة بأطفال متلازمة داون، وليس دمجهم ضمن مراكز ذوي الإعاقة. عدد الحالات 807، وتلك المشمولة بالرعاية في مركز القلوب البيضاء عددها 50. نحتاج إلى مراكز في إدلب والدانا وحارم وجسر الشّغور. لدينا نيّة بالوصول إلى مناطق أخرى في شمال حلب، وبالتالي سنكون بحاجة إلى دعم هذا القطاع بالمراكز والتتخصصين وكلّ ما تتطلّبه رعاية هذا القطاع الهامّ جداً".