أطفال "داعش"... عقدة دولية تتطلب حلاً لمواجهة تطرف مستقبلي

22 ابريل 2021
هل تستعيده دولته أم يبقى منسياً في هذا المخيّم؟ (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

استعادة روسيا، أخيراً، أطفالاً يحملون جنسيتها من أبناء مقاتلي تنظيم داعش الذين يقبعون مع أمهاتهم في مخيمات احتجاز تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شمال شرق سورية، تفتح الباب للبحث في مصير هذا الملف الشائك الذي يطاول آلاف الأطفال من أبناء مقاتلي التنظيم الذي أعلنت "قسد" والولايات المتحدة الأميركية هزيمته في سورية والعراق، في ربيع عام 2019.

إلى جانب روسيا، بدأت دول أوروبية فعلياً استعادة أطفال يحملون جنسياتها، وهم أبناء مقاتلي "داعش" الذين قتلوا في عمليات مختلفة أو ما زالوا يقبعون في سجون "قسد" أو السجون العراقية. لكنّ السؤال يبقى مطروحاً حول آلاف الأطفال من سوريين وعراقيين ما زالوا في المخيمات، لا سيّما مخيم الهول الذي بات بؤرة جديدة للتشدد نظراً إلى استمرار تفشّي فكر التنظيم داخله من خلال خلاياه الباقية حتى اليوم.
وقبل ثلاثة أيام، أعلنت روسيا أنّها أعادت 34 طفلاً من أبناء مقاتلي "داعش" إلى البلاد، بعد زيارة أجرتها المفوضة الروسية لحقوق الطفل، آنا كوزنيتسوفا، إلى شمال سورية وشرقها، التقت في خلالها مسؤولين من الإدارة الذاتية الكردية، وعادت في نهايتها مع الأطفال إلى بلادها. ونقلت طائرة تابعة لوزارة الدفاع الروسية الأطفال، فيما أشارت كوزنيتسوفا إلى أنّ الأطفال الذين قد يكونون روساً سوف يخضعون إلى تحاليل الحمض النووي، لافتةً إلى أنّ أعمارهم تتراوح ما بين عامَين و16 عاماً.
وتسليم الأطفال تمّ بعد توقيع وثيقة بين المفوضة الروسية والرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية (تابعة لـ"قسد") عبد الكريم عمر، في مقرّ الدائرة في مدينة القامشلي شمالي الحسكة، في شمال شرق سورية، الأحد الماضي. 
وذكرت الدائرة عبر خبر بثته عدد الأطفال الذين تمّ تسليمهم، مشيرة إلى أنّهم من "الأطفال الروس اليتامى من عوائل تنظيم داعش الإرهابي".

وفي مؤتمر صحافي عُقد بين الطرفَين، تقدّم عمر بالشكر إلى روسيا على بادرتها تلك، قائلاً: "اليوم تمّ تسليم 34 طفلاً وطفلة من الجنسية الروسية جميعهم أيتام" فقدوا آباءهم وأمهاتهم، مضيفاً أنّ "الإدارة الذاتية متجاوبة مع الحالات الإنسانية بشكل دائم، وننتهز هذه الفرصة لنجدد دعوتنا إلى جميع الدول التي يعيش أطفال لها في مخيمات مناطق الإدارة الذاتية لتحمّل مسؤولياتها تجاه هؤلاء". وشدّد عمر على أنّ "بقاء هؤلاء الأطفال في هذه الأجواء الراديكالية يعني بناء جيل إرهابي جديد يشكّل خطراً علينا وعلى كلّ المجتمع الدولي في المستقبل".

ومع نهاية عام 2019، بدأت دول أوروبية، في مقدمتها فرنسا وألمانيا، باستعادة أطفال من مواطنيها ممّن هم أبناء مقاتلي التنظيم، في حين استعادت دول آسيا الوسطى، من قبيل أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان، أكبر عدد من الأطفال من أبناء مقاتلي "داعش" من مواطنيها. وكانت معلومات، لم تتمكّن "العربي الجديد" من التأكد منها، قد أشارت إلى أنّ دول آسيا الوسطى أعادت أطفالاً من أبناء مقاتلي "داعش" الروس من بين أطفال تبنّت جنسيتهم، قبل أن تبدأ روسيا باستعادة أطفالها. 
في هذا السياق، تفيد زوزان حسن، عضو مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، "العربي الجديد"، بأنّه "مع تسليم الأطفال البالغ عددهم 34 إلى روسيا، يصل مجموع الأطفال الروس من أبناء تنظيم داعش الذين سُلّموا إلى حكومة بلادهم إلى 168 طفلاً، حتى الآن". تضيف حسن أنّ الإدارة الذاتية "دعت مرات عدّة كل الدول إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها في مناطق الإدارة الذاتية، سواء لجهة إقامة محكمة دولية للمقاتلين والنساء الذين ارتكبوا جرائم أو لجهة إخراج الأطفال من المخيمات، خصوصاً الأيتام، بهدف إبعادهم عن أجواء الإرهاب التي يعيشون فيها".

أبناء مقاتلين من داعش تستعيدهم روسيا (دليل سليمان/فرانس برس)
في خلال استعادة روسيا عدداً من أبناء مقاتلي داعش (دليل سليمان/ فرانس برس)

وفي وقت سابق من مارس/ آذار الماضي، نقلت وكالة أنباء "هاوار" التابعة للإدارة الذاتية عن إدارة مخيم الهول أنّ عدد القاطنين فيه بلغ 62 ألفاً و287 شخصاً، منهم 30 ألفاً و706 لاجئين عراقيين بالإضافة إلى 22 ألفاً و616 سورياً. أمّا عدد أفراد عوائل تنظيم "داعش" فقد بلغ ثمانية آلاف و965 شخصاً من النساء والأطفال فقط، وذلك بحسب الإحصائية الأخيرة التي صدرت في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وأشارت بيانات أخيرة صادرة عن منظمات محلية عاملة في مخيم الهول إلى أن 24 ألف طفل تقريباً يقطنون فيه، وهذا الرقم يشمل كلّ الجنسيات بمن في ذلك أطفال عوائل تنظيم "داعش" وأطفال سوريون وعراقيون.
من جهته، كان المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، قد صرّح في وقت سابق بأنّ "مخيم الهول والمناطق المحيطة في شمال شرق سورية تضمّ أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل، يقيمون في المخيمات والسجون بالإضافة إلى آلاف الأطفال السوريين"، وذلك في تقرير صدر في 28 فبراير/ شباط الماضي. وتثير هذه الأرقام مخاوف حول مستقبل آلاف من أطفال مقاتلي التنظيم الذين ما زالوا يقبعون في مخيمات شمال شرق سورية، لا سيّما من أبناء المقاتلين السوريين والعراقيين الذين تشكل استعادتهم ودمجهم في مجتمعاتهم مشكلة كبيرة بعد مقتل آبائهم أو اعتقالهم. 

طفلات ونساء عائلات مقاتلي داعش في مخيم روج (دليل سليمان/فرانس برس)
طفلات وكذلك نساء ينتظرنَ مصيرهنّ في هذا المخيم (دليل سليمان/ فرانس برس)

في هذا الإطار، يشير الباحث في الشأن السوري والجماعات الجهادية، عرابي عرابي، إلى أنّ "ملف استعادة الأطفال إلى بلدانهم ليس بجديد، وقد بدأ فعلياً عام 2019" لافتاً إلى أنّ دولاً أوروبية استعادت أكثر من 100 طفل، في حين كانت روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، أكثر الدول التي استعادت الأطفال الذين يحملون جنسيتها.

ويرى عرابي أنّ "لجوء روسيا والدول المحيطة بها إلى استعادة أكبر عدد ممكن من الأطفال وأمهاتهم، يعود إلى قدرتها على ضبط الوضع الأمني في ما يتعلق بهم، بحكم نظمها الديكتاتورية مع أجهزتها الأمنية صاحبة السطوة، بخلاف الدول الأوروبية التي تتّبع بيروقراطية معقدة في هذا الشأن. فثمّة إجراءات قضائية وأخرى روتينية لا بدّ من اتباعها، من دون أن تتوفّر قدرة على ممارسة ضغط أمني على الأطفال وعائلاتهم بحكم القوانين الديمقراطية لهذه الدول، ما يجعل من استعادة الأطفال أمراً معقداً وصعباً".

أمّا بخصوص المعضلة الكبرى، وهي مصير الأطفال من أبناء المقاتلين السوريين والعراقيين، فيتحدّث عرابي عن "12 ألف أجنبي في مخيمات شمال سورية وشرقها، ثلثاهم من الأطفال. وحيال ذلك، نحن أمام خيارَين إمّا أن تستعيدهم مجتمعاتهم وإمّا أن يستغلهم التنظيم ليمكّن فيهم أفكاره استعداداً لاستعادة نشاطه مجدداً". ويتابع عرابي أنّ "مسألة دمج الأطفال السوريين والعراقيين مع المجتمعات تبدو شبه مستحيلة لاعتبارات سياسية ودولية، كذلك لدينا مشكلة ديمغرافية في هذا الإطار. وبخصوص من تبقى من أجانب ترفض دولهم استعادتهم، فلا بدّ من إيجاد آلية دولية لحلّ تلك المشكلة، أو أن تستمر خلايا التنظيم بتهريب الأطفال مع النساء إلى خارج المخيمات، وبالتالي إلى خارج الحدود ليعودوا إلى بلدانهم بطرق غير شرعية".

المساهمون