لم يُحدث انحسار العمليات العسكرية في اليمن هذا العام انفراجات مهمة في الوضع الإنساني السائد، ويحذّر خبراء من ضياع جيل من الأطفال.
يقف أطفال اليمن أمام فوهة مدفع العواقب التي أحدثتها الحرب منذ نحو سبعة أعوام. ومع توالي الأزمات الإنسانية التي يبدو جلياً منذ فترة أنها خرجت عن سيطرة المنظمات الدولية، يجد جيل الحرب نفسه محروماً من كل الخدمات الأساسية، وفي مقدمها التعليم والتغذية. ويعتبر الحرمان من التعليم تحديداً بين المصائب الكبيرة التي نتجت من الحرب المندلعة منذ عام 2015. وأوقع ذلك جيلاً كاملاً من الأطفال "فريسة سهلة" لأطراف النزاع التي لا تتردد في إشراكهم في معاركها العبثية، ودفعهم إلى الخطوط الأمامية، ما يخالف كل شرائع حقوق الأطفال الذين لم يبلغوا السن القانونية لتحديد خياراتهم. وبخلاف ما توقعه كثيرون مع انحسار الأعمال القتالية نسبياً هذا العام، مقارنةً بما عرفته البلاد في العام الأول من الحرب، لا تزال الأوضاع الإنسانية تتدهور في شكل مريع، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال المنقطعين عن الدراسة.
وكشف تقرير أممي حديث اطلعت عليه "العربي الجديد" أن عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة هذا العام تجاوز مليونين لدى الذكور والإناث ممن هم في سنّ التعليم. وهو رقم مضاعف للمعدل الذي سُجّل في السنوات الأولى للحرب. وتنشغل المنظمات الدولية والسلطات المحلية، بالدرجة الأولى، في توفير احتياجات الغذاء، مع اتساع رقعة الفقر إلى نحو 80 بالمائة من السكان. لكن خبراء يؤكدون أن ظهور جيل كامل من الأطفال غير المتعلمين هو الكارثة الحقيقية الكبرى، "لأنهم قد يتحوّلون في السنوات المقبلة إلى قنبلة موقوتة تهدد كل المجتمع اليمني".
يقول الباحث التربوي عبد الله المحيا لـ "العربي الجديد": "تتعمد أطراف النزاع قصف مؤسسات التعليم بشكل أساسي، من أجل نشر الجهل لدى جيل كامل، وجعل أبنائه يشكلون بيئة خصبة للتجنيد وعمالة الأطفال، وارتكاب الجرائم". ويضيف: "سيصعّب الاستغلال البشع للأطفال إعادة هذا الجيل إلى مقاعد الدراسة بعد انقطاع أكثر من 3 أعوام أو حتى عامين".
وإلى جانب مهاجمة مرافق التعليم، يشكل توالي النزوح من محافظات تشهد معارك، وبينها مأرب وتعز والحديدة والجوف، أحد العوامل التي تمنع الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، كما يرتبط ذلك بانتشار العنف وتزايد الفقر.
وتحدّث تقرير أصدرته منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية أخيراً عن تضرر 2500 منشأة تعليم منذ بداية الحرب. وأشار إلى أنه "خلال الربع الأول من العام الجاري فقط استهدفت هجمات كثيرة مدارس لبنين ولبنات في محافظات عدة، ما منع تعليم أكثر من 30 ألف طفل".
وأنشأت سلطات التربية في مناطق حضرية داخل المدن أماكن بديلة لمنح حصص التدريس. لكن الأطفال النازحين دفعوا ثمناً باهظاً مع استمرار تنقلهم بين مواقع عدة خلال العام الدراسي، وبينهم أطفال من مأرب الذين قدّرت مصادر حقوقية عددهم بأكثر من 28 ألفاً خلال النصف الأول من عام 2021. وكشفت هذه السلطات أن الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة والموجودين في مخيمات تحديداً "يواجهون واقعاً مريراً، في ظل عدم قدرة 9 من كل 10 منهم على الحصول على تعليم ومياه نظيفة وطعام".
وباشر الاتحاد الأوروبي الاهتمام بالأطفال في مخيمات النازحين، وساهم في حصول حوالى 30 ألفاً منهم على تعليم آمن عبر إلحاقهم بـ 20 مدرسة ومخيمين للنازحين في محافظتي عدن ولحج، حيث استفاد الأطفال من مساحات تعليم مؤقتة تلقوا فيها دروساً، وحصلوا على دعم نفسي واجتماعي وتوجيهي خفّف عنهم بعض معاناة النزوح.
ووقع أطفال اليمن فريسة سهلة لأمراض وأوبئة مختلفة ضربت أجسادهم الهزيلة خلال سنوات الحرب، في ظل تضاعف معدلات سوء التغذية مع اتساع رقعة الفقر في كل مدن البلاد. وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن أن مشاريعه استهدفت توفير حصص لـ 11.9 مليون نسمة في يونيو/ حزيران 2021. وطالب بالحصول على 458 مليون دولار إضافية كي يستطيع مواصلة تنفيذ التزاماته حتى نهاية العام الجاري. وفيما يملك كبار السن قدرة أكبر على التكيّف مع الظروف الحياتية ونوعية الغذاء المتوافر وكميته، يجد الأطفال، وخصوصاً أولئك دون الخامسة من العمر، أنفسهم ضحية سوء التغذية الحادّ، خصوصاً من يقطنون في محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج. ووفقاً لتقرير أممي اطّلعت عليه "العربي الجديد"، ارتفع نحو 16 في المائة معدل سوء التغذية الحاد القريب من المجاعة خلال عام 2020، وذلك استناداً إلى تحليل أرقام 133 مديرية يقطنها 1.4 مليون طفل. وكان تقرير أصدره برنامج الأغذية العالمي عام 2019 قد أظهر معاناة أكثر من مليونَي طفل يمني من سوء التغذية، وأن طفلاً واحداً يموت كلّ 10 دقائق لأسباب يمكن تجنّبها. وأشار حينها إلى أن 80 في المائة من سكان اليمن (24 مليوناً) يحتاجون إلى مساعدات إغاثة تنقذ حياتهم.
لا يتوقف الخطر المحدق بأطفال اليمن عند المعدلات المرعبة لسوء التغذية، إذ تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن أطفال محافظة صعدة (شمال)، حيث معقل جماعة الحوثيين المحاذي للحدود مع السعودية، يعيشون الكارثة الأكبر في كل المقاييس، والمتمثلة بتسجيلها أعلى معدلات لـ "التقزم" بين الأطفال في العالم، الذي يشمل 8 من أصل 10 أطفال يعانون من سوء تغذية مزمن. وأبلغ مكتب "يونيسف" في اليمن "العربي الجديد" أن "مستويات التقزّم بين الأطفال دون الخامسة من العمر وصلت إلى مستويات قياسية تناهز نسبة 45 في المائة، وهي تعتبر بين الأعلى في العالم، بحسب إحصاءات ديموغرافية وصحية. وعزت "يونيسف" الظاهرة إلى أسباب كثيرة، أهمها الحمل المبكر الذي ينتشر في شكل واسع في اليمن جراء الزواج المبكر، وإلى الأمراض المنقولة عبر المياه غير النظيفة. وقد هدّد "التقزم" مصير أطفال اليمن بلا استثناء خلال سنوات الحرب، لكن محافظات صعدة وريمة وعمران وذمار تشهد أرقاماً مفزعة.
وتخشى "يونيسف" من التأثيرات السلبية لانقطاع الأطفال عن الدراسة على حاضرهم ومستقبلهم. وتقول إن "الفتيات يجبرن على الزواج في سن مبكرة، كما يدفع أطفال من الذكور والإناث معاً إلى العمل بالإكراه، أو تجنيد الذكور تحديداً في القتال، والذي شمل أكثر من 3600 منهم في السنوات الأخيرة".