ترتفع نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في اليمن في ظل حرب مستمرة منذ نحو ست سنوات وبالتالي زيادة نسبة الفقر المدقع، الأمر الذي يؤدي إلى موت الكثير من الصغار. ويتوقع تفاقم الأزمة بسبب نقص المساعدات.
حاول المواطن اليمني عبد الرقيب يحيى إنقاذ طفله من موت محتمل من جراء إصابته بسوء التغذية الحاد، لكن كان قد فات الأوان، إذ فارق الطفل القادم من السواحل الغربية لليمن إلى المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة في مدينة تعز (تقع إلى جنوب العاصمة صنعاء) الحياة بعد ساعات من وصوله، ولم يكن أمام والده سوى العودة به إلى مسقط رأسه في مديرية المخا (إحدى مديريات محافظة تعز)، ملفوفاً بقماش أبيض، وإلى جانبه والدته وقد كانت في حالة صدمة. وتخشى مئات العائلات في المناطق الساحلية من مصير مماثل لأطفالها، بسبب ارتفاع نسبة سوء التغذية بشكل لافت في المناطق النائية المطلة على البحر الأحمر، وخصوصاً لدى تجمعات النازحين وسكان الصفيح والعشوائيات الذين يفتقرون إلى أي مصادر دخل.
وبدأ المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة في تعز، المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود الدولية، باستقبال عشرات الحالات المصابة بسوء التغذية أخيراً، بعضها يمكن علاجه، فيما يكون قد فات الأوان لإنقاذ آخرين. وخلال جولة لـ"العربي الجديد" بين أروقة المستشفى، كان هناك الكثير من الأطفال الذين أسعفوا وقد أصيبوا بسوء تغذية حاد، وحمل الأطباء أولياء الأمور المسؤولية، إذ لا يتوجهون إلى مرفق صحي إلا بعد أن تسوء أحوال أطفالهم ويصعب حينها إنقاذ حياتهم. في هذا السياق، يقول طبيب مناوب فضل عدم الكشف عن هويته، إن "عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية تزايد بشدة خلال العام الجاري، وجميع هؤلاء قادمون من مناطق ساحلية في المخا والوازعية وأطراف جبل حبشي، غربي تعز". يضيف أن قدرة المرفق الصحي قد تتراجع، بعد إعلان منظمة أطباء بلا حدود وقف الدعم الذي كانت تقدمه للمستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة، وخصوصاً التزامها بدفع رواتب الطواقم الطبية منذ أواخر عام 2016.
وكما هو الحال مع أطفال مديرية المخا وباقي المدن الواقعة على البحر الأحمر في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، يعاني مئات الأطفال من نقص التغذية في محافظتي حجة والحديدة الواقعتين تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين). ويحاول عدد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها أطباء بلا حدود، مساعة الأطفال. وتتولى هذه المنظمات علاج أكثر من 100 طفل في مركز التغذية العلاجية في مستشفى عبس، شمال غربي البلاد، وذلك منذ مطلع العام الجاري.
وبالتوازي مع زيادة المخاوف من تقليص التدخلات الإنسانية الدولية من جراء نقص التمويل، ارتفع عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية خلال العام الجاري، بنسبة 41 بالمائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيان أصدرته منظمة أطباء بلا حدود أواخر فبراير/ شباط الماضي. وفي مديرية عبس بمحافظة حجة لا يوفر المرفق الصحي سوى 50 سريراً للأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد، ويعاني مئات الأطفال في ظل عدم قدرة غالبية العائلات على توفير الطعام لأولادها.
وسوء التغذية الحاد هو الشكل الأبرز لنقص التغذية. ويظهر على وجه الطفل وهيكله العظمي، ويتطلب معالجة عاجلة ليتمكن الطفل من البقاء على قيد الحياة. ويُعرّف سوء التغذية الحاد الوخيم لدى الأطفال البالغين من العمر ما بين 6 أشهر و59 شهراً، بحسب منظمة الصحة العالمية، بأنه انخفاض كبير في نسبة الوزن إلى الطول، أو وجود العلامات السريرية للوذمة المنطبعة في كلا الجانبين، أو التدني الشديد في محيط العضد.
وتقول مصادر رسمية لـ"العربي الجديد"، إن أكثر من 27 ألفاً و108 أطفال تحت سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم في محافظة حجة، فيما يعاني أكثر من 113 ألف طفل من سوء التغذية المتوسط. أما سوء التغذية المزمن والمعروف بالتقزم، فقد نال من أكثر من 200 ألف طفل خلال العام الماضي.
إذاً، يدفع أطفال اليمن، دون سن الخامسة، الضريبة الأكبر لتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد منذ ستة أعوام. وخلال الأيام الماضية، حذّرت أربع منظمات دولية من معاناة نحو 2.3 مليون طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد خلال عام 2021، في وقت يتوقع أن يعاني 400 ألف طفل منهم من سوء التغذية الحاد الوخيم مع إمكانية تعرضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة.
إلى ذلك، تشير الأمم المتحدة إلى وجود إرتفاع كبير في معدلات سوء التغذية الحاد والوخيم من 16 في المائة إلى 22 في المائة بين الأطفال تحت سن الخامسة في عام 2020، وهو الرقم الأعلى منذ بدء الحرب عام 2015. وترى منظمات دولية أن الحرب المستمرة جعلت اليمن واحدة من أكثر الأماكن خطورة في العالم التي يمكن أن ينشأ فيها الأطفال، وخصوصاً في ظل ارتفاع نسبة الأمراض المعدية، ومحدودية فرص الحصول على خدمات التحصين الروتينية والخدمات الصحية للأطفال والعائلات والممارسات غير السليمة لتغذية الرضع والصغار.
وكان لتفشي فيروس كورونا تأثير كبير على القطاع الصحي الهش أصلاً منذ سنوات ما قبل الحرب، وقد أدى إلى استنزاف الموارد التي تقدمها المنظمات الدولية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد المرضى الذين يحصلون على الرعاية الصحية اللازمة في عموم البلاد. ويفيد مصدر في مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في اليمن، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن حالات سوء التغذية في اليمن تهدّد أطفال غالبية المحافظات. إلّا أن الأكثر تضرراً هم أطفال عدن والضالع وحجة والحديدة ولحج وتعز بالإضافة إلى مدينة صنعاء. وتقع غالبيّة المحافظات المذكورة على الشريط الساحلي، حيث يقطن سكان الصفيح. ويقول عدد من المنظمات الدولية إنها باتت مكبلة في سعيها إلى حماية أطفال اليمن من جراء النقص حاد في التمويل، وقد حصلت على 1.9 مليار دولار من أصل 3.4 مليارات دولار في إطار خطة الاستجابة.
وتعد الأوضاع الاقتصادية المتردية سبباً رئيسياً في تدهور الأمن الغذائي لأطفال اليمن خلال الأشهر الماضية. وساهم وجود ملايين العائلات تحت خط الفقر في تقليل كميات وجودة الطعام الذي يتناوله أطفالها، ما يؤثر على نموهم. في هذا الإطار، يقول المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إن الأمراض وسوء البيئة الصحية هي من العوامل الرئيسية المسببة لسوء التغذية لدى الأطفال في اليمن، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن الأطفال المصابين بسوء التغذية هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، كالإسهال والتهابات الجهاز التنفسي والملاريا، ما يعد مصدر قلق كبيراً في اليمن من جملة أمور أخرى. ويصف غيبرييسوس الوضع المحيط بأطفال اليمن بـ"الحلقة المفرغة والفتاكة في الكثير من الأحيان"، على الرغم من تأكيده على أن "القيام بتدخلات متدنية الكلفة وبسيطة قد يساهم في إنقاذ العديد من الأرواح".
وتشدّد المنظمات الدولية العاملة في اليمن على أن الوقاية من سوء التغذية وعلاج آثاره المدمرة تبدأ بالرعاية الصحية الجيدة للأمهات. لكن هذا الشرط يبدو صعب المنال، في ظل توقعات بمعاناة نحو 1.2 مليون إمرأة حامل أو مرضعة في اليمن من سوء التغذية الحاد خلال عام 2021، نتيجة للأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد على كافة المستويات.