أطباء بريطانيون يوثّقون مشاهداتهم في قطاع غزة: جحيم على الأرض

21 يناير 2024
مشهد من واقع الحال في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -

أفاد أطباء بريطانيون، عملوا في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة المحاصر والمستهدف، بأنّهم شاهدوا هناك أسوأ الإصابات في حياتهم المهنية، وقد اضطرّوا في أحيان كثيرة إلى معالجة الجرحى من دون معدّات طبية.

ووسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمل الأطباء البريطانيون نيك ماينارد وديبورا هارينغتون وجايمس سميث في مستشفى شهداء الأقصى لمدّة أسبوعَين، من نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي حتى التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، وذلك في إطار مبادرة من لجنة الإنقاذ الدولية ومنصّة العون الطبي للفلسطينيين.

وقد تحدّث الأطباء البريطانيون الثلاثة عن تجاربهم في المنطقة، في ظلّ القصف الإسرائيلي المستمر. فأخبر ماينارد، وهو طبيب جرّاح في أكسفورد بإنكلترا، أنّهم وصلوا إلى قطاع غزة بعد رحلة استغرقت يوماً واحداً من العاصمة المصرية القاهرة، وأنّه بدأ العمل بالتزامن مع حلول عيد الميلاد في 25 ديسمبر الماضي.

وعبّر ماينارد عن انطباعه الأوّل عندما دخل قطاع غزة المحاصر، قائلاً إنّ "أوّل ما لفت انتباهنا بعد المرور من بوابة معبر رفح الحدودي هو اكتظاظ المنطقة بالنازحين. رأينا مئات العربات التي تجرّها حمير والمليئة بالناس والبضائع".

وأشار ماينارد إلى أنّه كان يجتمع مع أشخاص موجودين في قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي وكان يعدّ نفسه لما سيراه، "لكنّ ما رأيته كان أسوأ بكثير ممّا توقّعت. في مستشفى شهداء الأقصى، رأيت أفظع الإصابات التي لم أتوقّع أن أشاهدها في حياتي المهنية".

"إسرائيل تستهدف منهجياً نظام الرعاية الصحية في غزة"

وذكر ماينارد أنّهم رأوا أطفالاً كثيرين مصابين بحروق قاتلة وأطراف مقطوعة وإصابات مميتة في الصدر والبطن، لافتاً إلى أنّ "قطاع غزة كان مثل جحيم على الأرض".

وأوضح الجراح البريطاني أنّ "إسرائيل تستهدف بصورة منهجية سكان قطاع غزة ومنشآت نظام الرعاية الصحية فيه". أضاف: "إذا عمل العالم كلّه معاً وأجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار، فمن الممكن أن يستعيد قطاع غزة عافيته". ويشدّد على أنّه "يتعيّن على المجتمع الدولي دعم قطاع غزة من أجل إعادة إعماره".

وحول مشاهداته في المستشفى، قال ماينارد: "كانت الإمكانات في غرف العمليات محدودة في معظم الحالات". وبيّن أنّهم كانوا يفتقرون إلى المياه في بعض الأحيان، "وكنّا ننظف أيدينا بالمواد الكحولية فقط. وكنّا نفتقر في الغالب إلى المعدّات والملابس" المطلوبة. وتابع أنّ "في بعض الأيام، لم نكن نملك مسكّنات للألم من أجل استخدامها في علاج الأطفال المصابين بحروق خطرة أو الذين فقدوا أطرافاً".

وروى ماينارد: "رأيت طفلاً يبلغ من العمر ستّة أعوام ملقى على الأرض في غرفة الطوارئ. لم يكن عدد الأطباء كافياً للاهتمام بالطفل، ولم تكن عائلته إلى جانبه. وهو كان يعاني من حروق مؤلمة جداً وجروح مفتوحة في الصدر. نقلناه على الفور إلى منطقة الإنعاش، وهناك أجرينا التدخّلات الطبية اللازمة على الأرض، بما أنّ لا أسرّة ولا نقّالات كافية".

"لا أستطيع أن أشرح كم كان الأمر مخيفاً في غزة"

من جهتها، علّقت الطبيبة البريطانية المتخصّصة في التوليد، ديبورا هارينغتون، على الوضع في مستشفى شهداء الأقصى بالقول: "لا أستطيع أن أشرح كم كان الأمر مخيفاً. كان الناس في حاجة إلى الرعاية، ليس فقط في مبنى المستشفى إنّما حوله كذلك".

وذكرت هارينغتون أنّ الخيام نُصبت في محيط المستشفى الذي كان مكتظاً بالأطفال الجرحى، الأمر الذي ترك أثراً عميقاً في نفسها. وأكدت أنّ أعداداً كبيرة جداً من الأطفال تصل إلى المستشفى مع إصابات بحروق خطرة وبأطراف مبتورة وجروح مروّعة، وكانت معدّات المستشفيات غير كافية لمثل هذه الأعداد.

وشدّدت هارينغتون على أنّ الحلّ الوحيد لقطاع غزة من أجل الخروج من وضعه الحالي هو "وقف فوري لإطلاق النار".

وتابعت هارينغتون أنّ "الحالات التي وصلت إلى مستشفى شهداء الأقصى كانت بمعظمها فظيعة جداً. لم تكن الإمكانات المتوفّرة في المستشفى قادرة على التعامل مع هذا المستوى من الحالات الخطرة. القدرة الاستيعابية للمستشفى بلغت 300 في المائة. وكان ثمّة أشخاص ينتظرون العلاج في كلّ مكان، معظمهم مصابون بجروح خطرة، إلى جانب الجرحى والمرضى وأقاربهم والنازحين. لم يكن شبر واحد من المستشفى خالياً من الناس".

"رأيتُ في غزة أخطر الحروق"

في سياق متصل، أوضح طبيب الطوارئ جايمس سميث الذي سبق له أن عمل في مناطق عدّة تشهد صراعات وأزمات، أنّه كان واحداً من فريق أطباء مؤلّف من تسعة أشخاص يعملون في قطاع غزة.

وقال سميث إنّ قسم الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى، وهو أكثر الأقسام تجهيزاً، كان يواجه صعوبة في الاستجابة لعدد الجرحى والمرضى الذين جرى استقبالهم، مشيراً إلى أنّ كثيرا من العاملين في المستشفى هم من موظفي الرعاية الصحية الفلسطينيين إلى جانب نازحين من مستشفيات أخرى.

أضاف سميث أنّ المستلزمات الطبية الأساسية كانت بمعظمها غير متوفّرة. وأخبر أنّ "في أحد الأيام، نفد الشاش الذي كنّا نستخدمه لتضميد الجروح، وفي اليوم التالي نفد المورفين الذي كنّا نستخدمه للأشخاص الذين يعانون من آلام خطرة". وتابع: "لقد عملت مع منظمات إنسانية عديدة وشاهدت جرحى ومرضى في مناطق صراعات عديدة لسنوات، لكنّه لم يسبق لي أن رأيت إصابات مؤلمة بهذا الحجم والخطورة. لقد كانت تجربة قطاع غزة حقاً أعظم حدث بالنسبة إليّ على الإطلاق".

وأكد سميث أنّه شهد حالات عديدة "قاتلة"، من الحروق التي تدمّر الجلد والعضلات والعظام، كذلك شهد حالات بتر مروّعة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الأرقام الأخيرة التي نشرتها وزارة الصحة في غزة، في اليوم 107 من الحرب المتواصلة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المحاصر، بيّنت أنّ عدد الجرحى وصل إلى 62 ألفاً و681 جريحاً إلى جانب 25 ألفاً و105 شهداء، أكثر من 70 في المائة منهم من الأطفال والنساء. كذلك ثمّة أكثر من سبعة آلاف مفقود، لم يُعرَف مصيرهم بعد.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون