أسماء فلسطينية في الجزائر... اندماج وجداني كامل

30 أكتوبر 2023
طفل جزائري بالكوفية الفلسطينية وآخر يحمل العلم الفلسطيني (العربي الجديد)
+ الخط -

بعيداً من تمسك الجزائريين بتقليد تسمية الأبناء الجدد عبر ربطهم بأشخاص من أفراد العائلة ذوي مكانة كبيرة ومميزة، مثل الأب والأم، أو بالثقافة الدينية والاجتماعية، ارتأت أسرة زهاني التي تسكن في منطقة حاسي مسعود (جنوب)، إطلاق أسماء نابعة من تعلقها بالقضية الفلسطينية على الأبناء.
تقول الأم أندلس لـ"العربي الجديد" إنها أرادت مع زوجها رشيد أن تطلق على كل أبنائها أسماء مرتبطة بفلسطين، وتروي أنها لم تتردد في إطلاق اسم يافا على ابنتها الأولى التي رُزقت بها قبل أربع سنوات، الذي يُشير إلى إحدى أقدم المدن في تاريخ فلسطين، وتعني المنظر الجميل أو الجمال، ثم أطلقا اسم قدس على البنت الثانية، باعتباره يحمل رمزية مقدسة للجزائريين، ويُشير إلى زهرة المدائن ومدينة السلام ومسرى النبي محمد.

وفي وقت يتأثر كثيرون في الجزائر بما يجري في غزة، أطلق البعض اسم شيرين على بنات تخليداً لروح الصحافية الراحلة شيرين أبو عاقلة، في حين ينتظر آخرون ولادة مزيد من البنات لإطلاق اسم فلسطين عليهن، علماً أن إطلاق هذه الأسماء يثير أسئلة عدة عن المعنى والخلفية، خصوصاً لدى الأطفال في الروضة والمدارس.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتكثر أسماء المواليد الجدد التي تخلد فلسطين في الجزائر، وترتبط بشخصيات ورموز فلسطينية، مثل ياسر عرفات وأحمد ياسين وأخرى تعبّر عن شخصيات وازنة في الساحة العربية وعن الأدوار التي لعبتها في القضية الفلسطينية. ويعكس ذلك عموماً أهمية مشاركة الأجيال في صياغة التاريخ، إذ تعبر المدن والوجوه عن مدى الاندماج الوجداني الجماعي للجزائريين والعرب والمسلمين في القضايا الكبرى.
ويلاحظ موظفون في مصلحة الأحوال المدنية، أحدهم عصام الذي يعمل في بلدية ميلة (شرق) الجزائر، زيادة لافتة لأسماء المواليد الجدد ذات المعاني المرتبطة بفلسطين، خاصة في ظروف معينة الحرب الحالية. ويؤكدون أن اسم القدس أكثر الأسماء التي يطلقها الجزائريون على المواليد الجدد، ما يعكس ارتباطهم بالقضية الفلسطينية والأقصى، خاصة أن القانون الجزائري يسمح بالأسماء التي ترمز إلى العروبة والإسلام.
ورغم أن المسافة بعيدة بين الجزائر وفلسطين وتتجاوز 4 آلاف كيلومتر، تشكل هذه الأسماء أحد أنواع التواصل الكامل بين الجزائريين وكل ما يمثل فلسطين، علماً أن أسماء القدس وغزة تحملها مساجد في مدن جزائرية عدة، حتى إن أكبر مركز تجاري في البلاد يحمل اسم مركز القدس، ويوجد في منطقة الشراقة بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية.
وتتزين الساحة الرئيسية وسط مدينة الشلف التي تبعد 230 كيلومتراً من العاصمة الجزائرية، بلافتة اتجاه القدس الشريف على بعد 4239 كيلومتراً، وهي صنعت الحدث خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي الحالي على الأبرياء العزل في غزة.

يعكس إطلاق الجزائريين أسماء فلسطينية على أبنائهم أهمية مشاركة الأجيال في صياغة التاريخ (فرانس برس)
يعكس إطلاق الجزائريين أسماء فلسطينية على أبنائهم أهمية مشاركة الأجيال في صياغة التاريخ (فرانس برس)

ويحمل إطلاق أسماء فلسطينية، منها حيفا ويافا ونابلس والقدس وغيرها التي ترتبط بالأرض والأماكن الفلسطينية، خلفيات تاريخية تؤكد تعلق الجزائريين بقضية استرجاع الأرض والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي. 
وتشرح أستاذة علم الاجتماع بجامعة قسنطينة (شرق) فريدة بوناب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "الأسماء المرتبطة بفلسطين اعتراف بوجودها وتخليدها في التاريخ، وتعبر في الوقت نفسه عن هوية الجماعة، وتحمل معاني ودلالات ثقافية كثيرة. وإطلاق أي اسم له علاقة بقضية إنسانية بالدرجة الأولى يبرز هوية المكون العربي الإسلامي لإعادة بعث فلسطين".
وتدل الأسماء المرتبطة بفلسطين بوضوح على أهمية نصرة القضية ضد المحتل الغاشم، وتحمل رمزية التضامن والمشاعر الإنسانية التواصلية في ظل محاولة الاحتلال تكثيف حملات التشويه والطمس التي تطاول كل ما هو فلسطيني.
وعموماً تحمل فلسطين بكل مدنها وأماكنها المقدسة إجابات عن أسئلة الماضي والحقيقة التاريخية لهذه الدولة المغتصبة التي تعرّض سكانها لتهجير، ويجب تداول الأسماء التي ترمز إليها علناً في البلدان العربية والإسلامية للحفاظ على الذاكرة الجماعية للفلسطينيين، وأيضاً مواجهة محاولة تغيير الاحتلال أسماء بعض المدن.

وحالياً تغلي قلوب الجزائريين، على غرار كل الشعوب العربية، مما يحدث من تطورات درامية في غزة، وآخرها مجزرة المستشفى المعمداني. ويتأرجح الموقف بين فرح بكل إنجاز تحققه المقاومة، والألم من جراء القصف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة. ويتابع الجزائريون التطورات القائمة، ويستعيدون خط الثورة الجزائرية في مقاومة المحتل وصد المستعمرين الذين استولوا على الأرض والخيرات.

المساهمون