أسلوب مخاطبة النساء في البرلمان اللبناني.. محاولة جديدة لإقصائهنّ؟

05 أكتوبر 2022
النائبة حليمة القعقور وإلى جانبها النائبة بولا يعقوبيان (حسين بيضون)
+ الخط -

يشكّل حضور النساء في البرلمان اللبناني ما نسبته 6.25 بالمائة فقط من إجمالي عدد النواب، وعلى الرغم من أنّ عمر المجلس النيابي الجديد لا يتخطَّى خمسة أشهر، إلا أنّ المناوشات والإشكالات التي ارتبطت بالنساء بشكل مباشر شكّلت حصّة الأسد في جلساته، واحتلّت مواقع التواصل الاجتماعي، التي انطلقت عبرها حملات رافضة لـ"أسلوب التخاطب الذكوري"، ومحاولات تحجيم دور النساء.

فمن الاتهامات بالتحرش اللفظي، مروراً بالتنمر، وصولاً إلى الحديث بأسلوب متعال مع النساء، تُطرح العديد من التساؤلات حول طريقة المخاطبة المعتمدة مع النائبات اللبنانيات، في برلمان يشكّل الرجال فيه الأغلبية.

استهداف مباشر

في السياق، تعتبر النائبة المنتمية إلى كتلة التغييريين سينتيا زرازير، والتي تعرّضت في أكثر من مرة للتنمّر والتحرش، أن أسلوب التعاطي في البرلمان اللبناني بشكل عام معيب، فما بالك بطريقة التعاطي مع النساء، معتبرة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تعالياً واستقواءً على النساء، قائلةً: "لم أُفاجأ بأسلوب التعاطي معنا، لأنه كانت لدينا فكرة قبل دخول البرلمان مع من سنتعاطى، لكنّني لم أتوقع أن يتمّ ذلك على أساس شخصيّ، وبهذا الأسلوب الطفولي".

وإذ تؤكد أن هناك استهدافاً مباشراً للنائبات النساء، تقول: "لو لم تكن النائبات الأخريات منتميات لكتل نيابية وأحزاب تقليدية، لكنّ تعرّضن أيضاً للأسلوب نفسه، ولو كان رجلاً في المواقف التي تعرّضتُ لها، لكانت طريقة التعاطي معه ستكون مختلفة"، وتتابع: "هناك من يخاف أن نفضح فساده، فهم يعرفون أننا لن نسكت، وأن أحد أهدافنا الرئيسة هو فضحهم، ومن هنا يقومون باستضعافنا".

هناك من يخاف أن نفضح فساده، فهم يعرفون أننا لن نسكت، وأن أحد أهدافنا الرئيسة هو فضحهم، ومن هنا يقومون باستضعافنا"

وعن تبرير البعض لرئيس مجلس النواب نبيه بري طريقته في التخاطب مع النواب في الجلسات، باعتبار أنه أسلوبه الخاص، تقول زرازير: "لا يعنيني إذا كان هذا هو أسلوب الرئيس بري، فإذا كان فريقه يتقبّل هذا الأسلوب وقلة التهذيب والتعالي، فهذا شأنهم، أمّا أنا والأشخاص الذين أمثلهم فلا نقبل به، وعليه تغييره".

وكانت زرازير قد كشفت في وقت سابق عن تعرّضها لـ"التلطيش" من بعض النواب، إلى جانب عثورها على مجلات إباحية وواقيات ذكرية مستعملة لدى تسلّمها مكتبها في مقرّ البرلمان بعد انتخابها.

وفي الجلسة الأولى التي عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، اعترضت زرازير على مغادرة كتل نيابية، ضمنها كتلة بري القاعة فور انتهاء التصويت ضمن الدورة الأولى وعدم حيازة أي مرشح غالبية الثلثين من أصوات النواب (86 من أصل 128 نائباً)، الأمر الذي أفقد نصاب الدورة الثانية القانوني، ليُسمَع صوت أحد النواب وهو يقول "مين هاي اللي عم تحكي".

وإلى جانب زرازير، سُجّل في الجلسة الأولى للبرلمان الجديد بعد انتخابه سجال بين النائبة حليمة القعقور، المنتمية أيضاً إلى كتلة التغييريين، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد مطالبتها بالتصويت عبر "الميكرفون" لا برفع الأيادي، والكلام أثناء التصويت، ليطلب منها بري الجلوس والسكوت، لتردّ عليه "ما هذه الطريقة البطريركية بالتعاطي؟"، ليستمرّ بعدها الجدل.

ورافقت ذلك سجالات وصلت إلى حدِّ وصف النائب عن "حركة أمل" (كتلة بري) قبلان قبلان النائبة زرازير بـ"سينتيا صراصير".

خطاب متحيّز

من جانبها، تروي النائبة القعقور لـ"العربي الجديد"، حادثة تعرّضت لها خلال جلسة للجنة التربية النيابيّة، حيث اعترضت على وصف مقرّر اللجنة النائب إدكار طرابلسي وزير التربية بالـ"رجّال"، مشيرة إلى أنها لا تقبل بالخطاب المتحيز جنسياً، ليردّ نواب آخرون باستهزاء: "شو لازم يقول طلع امرأة؟"، ويستمرّ الجدل ومحاولة إسكاتها خلال الجلسة.

وتقول: "أكثر ما يزعجهم أننا نواجه النظام البطريركي في عقر داره، وإذا صدر التعليق من امرأة خصوصاً نواجه هجوماً مباشراً، حتى أنّني وجّهت مرة في اللجان النيابية نقداً لحزب الله وحركة أمل، فواجهني النواب بالصراخ ومنعي من الكلام، وكان الغضب والشعور بالاستفزاز واضحين في تعابير وجوههم"، مشيرة إلى أنهم شعروا بالاستفزاز أولاً لأنني وقفت بوجههم ورفعت الصوت، وثانياً لأنّني امرأة، وهذا أمر نلمسه من كلّ أحزاب السلطة ولا أعلم إذا كانت الأحزاب تشعر بالحاجة إلى الردّ عليّ بشكل أقسى لأنني امرأة".

وتشدد القعقور هنا على أنّ "الخطاب المعتمد في المجلس النيابي لا يقتصر على النساء فقط، فهو جزء من النظام الأبوي ورئيس المجلس نبيه بري كشخص يسمح لنفسه بالإمساك بكلّ السلطات، وهي سلطات أبوية وليست فقط في إطار القانون، مشيرة إلى أن مجلس النواب ليس مؤسسة، بل هو عبارة عن "نبيه بري" فقط.

نفي وجود التمييز أو المعاداة

في غضون ذلك، يرفض النائب قاسم هاشم، عضو كتلة بري النيابية (التنمية والتحرير)، الحديث عن محاولة لاستهداف المرأة في البرلمان، مشيراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحوادث التي حصلت أخيراً مع بعض النائبات لا تختلف في أسلوبها عن طريقة التعاطي مع الزملاء الآخرين، معتبراً أن هناك محاولات لوضع الأمور في غير نصابها، وهذا مجافٍ للحقيقة.

وإذ يوكد أنه يتمّ استخدام الأسلوب والمفردات نفسها مع أي نائب، إن كان ذكراً أم أنثى، يشير إلى أنه في كلّ المراحل والعهود، تُستخدم اللغة العامية في المجلس النيابي، وتكون نوعاً من "النكهة" التي تضاف في لحظة معينة من التوتر، لتغيير الجو داخل المجلس ويكون صداها إيجابياً، مشدداً على أنه لا وجود لخطاب ذكوري يُستخدم ضد النساء في البرلمان اللبناني.

ويعتبر أنه "لا يجب أخذ الأمور في منحى ذكوري، لأنه ليست هناك نية لوضع المرأة في إطار معيّن والتصويب عليها، وما يجري هو في سياق طبيعي ولا محاولة للتمييز"، لافتاً إلى أن تصوير الأمور على أن هنالك خطاباً ذكورياً يُعتمد ضدّ النساء في البرلمان اللبناني في غير محلّه، فالتعاطي معهنّ طبيعي جداً وإيجابي ونحن على نقاش دائم مع النائبات في اللجان النيابية.

ويضيف: "تحدث دائماً مناوشات في المجلس النيابي و(الصبايا ما بقصّروا)، ومن العدالة أيضاً التعاطي معهنّ بالطريقة نفسها".

أمّا عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" المعارِضة النائب الياس حنكش، فيؤكد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري معروف بأسلوبه، لكنه يعتبر في المقابل أن التعاطي بتمييز مع المرأة داخل البرلمان اللبناني أو خارجه أمر غير مقبول على الإطلاق، لافتاً إلى أن المرأة اللبنانية، ومنذ مشاركتها في الحياة السياسية، أحدثت فارقاً في المشهد، من الضروري المحافظة عليه، وهي قيمة مضافة في المؤسسات العامة والخاصة، وهناك حاجة لتكون فاعلة فيها أكثر وأكثر.

ويرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن طريقة التعاطي التي برزت في الفترة الأخيرة مع النساء خلال جلسات مجلس النواب غير مقبولة، قائلاً: "كنت من الأشخاص الذين اعترضوا في أكثر من مرة، لكن عندما تكون هناك فوضى في الجلسات ونقاش حاد، لا نعرف ما الذي يُدوّن في المحاضر".

وعن الهجوم الذي تتعرّض له خصوصاً النساء اللواتي ينتمين إلى القوى التغييرية، وهل يعتبر أنّ الأمر استشعار بالخطر من وجودهنّ، يقول حنكش: "المرأة تضفي قيمة على أي مكان توجد فيه، من هنا يجب على الرجل أن يشجع ويدعم دورها ويساهم بتكبيره، أما القيام بالعكس فهو يوحي بعقدة نقص ما".

من جانبها، تؤكد الباحثة المتخصصة بالشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية سحر مندور لـ"العربي الجديد"، أنّ التنمر أو التقليل من قيمة المرأة في مجلس النواب، ولو من باب المزاح أو الاختلاف السياسي لا يُقرأ فقط في سياقه السياسي اللبناني، وإنما في سياق إعادة تحجيم المرأة ودورها وصورتها في البرلمان، ليبقى حضورها هجيناً ولا يتم تطبيعه.

وتضيف: "نحن ندعو دائماً المرأة للترشح للمناصب السياسية لأنها مبعدة عن مراكز القرار، إلا بصفتها أختاً أو زوجة أو أم أو ابنة شهيد أو نائب سابق أو من بيت سياسي، ونحن نعمل في آخر 10 سنوات على تمثيل النساء ترشيحاً ووصولاً إلى مراكز القرار".

وتشدد مسؤولة "العفو الدولية" على أن آلية التخاطب العامة المعتمدة في البرلمان يجب أن تتوقف عند حدود النساء، لأن هناك سعياً عمره سنوات من قِبل عدد كبير من النساء والجمعيات والمنظمات لكسر هذا الإقصاء الذي أصبح تقليداً وترسخ في عقول الناس، وأن يُنظر إلى المرأة كصاحبة دور في اتخاذ قرار رقابي وتشريعي في البرلمان.

وتقول: "بغض النظر عن الأداء مع كلّ النواب الآخرين، وصول النائبات النساء إلى البرلمان يتطلّب من الأخير، وتحديداً من رئاسته، آلية تعاطٍ فيها احترام مضاعف نتيجة الإقصاء طويل الأمد، ومن أجل تطبيع وجودهنّ تحت قبة البرلمان، وخوضهنّ دورهنّ التشريعي"، داعية إلى آلية تخاطب واحترام ومحاسبة على التنمّر، بما يضمنه القانون اللبناني لمكافحة التحرش اللفظي والجنسي في مكان العمل، والاتفاقيات الدولية الملزمة.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أصدرت تعليقاً بعد الجلسة الأولى للمجلس النيابي، اعتبرت فيه أنه "من المعيب أن تتعرّض النائبات في مجلس النواب اللبناني، خصوصاً اللواتي ينتقدن السلطات، للمضايقة من نظرائهنّ الرجال ومن رئيس مجلس النواب نفسه لمجرّد كونهنّ نساءً في برلمان يطغى عليه الرجال".

وشددت على أنه "على النواب، وتحديداً الرئيس نبيه برّي، تحمّل المسؤولية لإنهاء هذا التطاول على النساء، والكفّ عن تشجيع بيئة معادية للمرأة".

المساهمون