رسم تقرير جديد صادر عن مجلس مكافحة الجرائم والوقاية منها في السويد صورة قاتمة في ما يتعلق بجرائم القتل بالأسلحة النارية في البلاد، مقارنة بدول أوروبية أخرى. وبعدما كانت السويد قبل نحو 10 أعوام من بين أكثر الدول سلميّة حول العالم، راحت تشير البيانات منذ عام 2013 إلى أنّ هذا البلد الاسكندينافي يتجاوز في معدّلات القتل دول البلقان ونحو 23 دولة أوروبية تراجعت فيها معدّلات القتل بالرصاص.
والتقرير الذي وُضع على طاولة المشرّعين يفيد بأنّ عام 2020 وحده شهد 366 حادثة إطلاق نار دموية أدّت إلى مقتل 47 شخصاً وجرح 117 آخرين. ويشير معدّوه إلى انتشار القتل بأسلحة نارية في ضواحي العاصمة استوكهولم ومدن جنوبي البلاد، مثل مالمو وغوتنبرغ، حيث انتشر منذ بداية الألفية الحالية الفقر والجريمة المنظمة فيها. في عام 2000، كانت النسب في دول مثل صربيا وكرواتيا وإسبانيا وإيطاليا، وفق التقرير والمقارنات التي أجراها خبراء تحدثوا إلى وسائل إعلام محلية، تتجاوز بكثير نسب القتل في السويد. وعلى الرغم من أنّ أرقام القتل بالرصاص في دول أوروبية أخرى، منذ عام 2013، تأتي أعلى من تلك المسجّلة في السويد، فإنّه مقارنة بعدد سكان البلاد يُعَدّ مقتل أربعة أشخاص من بين كلّ مليون يعني ارتفاعاً في نسبة الجريمة مقارنة بـ1.3 شخص من بين كلّ مليون في دول أخرى.
وإلى جانب عمليات القتل على خلفيات جنائية وتلك التقليدية التي من الممكن حلّها، تواجه الشرطة السويدية مشكلة "عميقة" (بحسب الوصف الذي تتضمّنه تقاريرها) في حلّ ألغاز القتل على خلفيّة تنافس العصابات في الضواحي، خصوصاً مع غياب الشهود. وبحسب البيانات المتوفّرة التي تحتسب عمليات إطلاق النار والقتل بالرصاص، ثمّة 600 ألف قطعة سلاح مرخّصة، من بينها بنادق صيد، إلى جانب مليونَي قطعة سلاح غير مرخّصة، علماً أنّ الأسلحة بمعظمها مهرّبة من دول البلقان. وبين فترة وأخرى، تقع عمليات تفجير بعبوات وإلقاء قنابل على تجمّعات سكنية تعيش فيها أعداد كبيرة من أصول مهاجرة، في سياق احتراب العصابات وتنافسها. وقد لقي كثيرون حتفهم من دون أن تكون لهم علاقة بمثل تلك الأمور، ومنهم مَن أصيب بالرصاص العشوائي في داخل شقق سكنية وقد اخترق نوافذها. يُذكر أنّ عدداً من القصّر قُتلوا في أثناء وجودهم في أماكن مختلفة، خصوصاً في مدن جنوب غربي البلد، فيما أصيب آخرون، وهو ما أثار سخطاً في الشارع السويدي في خلال الأعوام الماضية.
وتربط الجماعات والأحزاب سياسة الهجرة المنفتحة بزيادة تلك الجرائم، كما فعل زعيم حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني القومي جيمي أوكسون ولمّح حزبا "اعتدال" المحافظ و"المسيحي الديمقراطي"، في تعقيب سياسيّيهم على نتائج التقرير الصادر عن جهة تحظى بمصداقية في البلد.
خطر في المجتمع
وينتقد خبراء في علم الجريمة خطورة ما يجري في المجتمع السويدي. فقد رأى أستاذ علم الجريمة في جامعة مالمو، مانا غيريل، بحسب التلفزيون السويدي (إس في تي)، أنّ "كلّ شيء يشير إلى أنّ الأمور ليست تحت السيطرة كما تُشيع جهات أمنية وسياسية، والأرقام تخبرنا بما هو عكس ذلك في ما يتعلّق بخطورة الواقع الكبيرة والواضحة". وما يقلق الخبراء والشارع هو أنّ تفاقم الوضع "الخطير" لا يقابله التدهور نفسه في دول أوروبية أخرى. على سبيل المثال، حين يجري السويديون مقارنات مع جارتهم الدنمارك، يجدون تراجعاً في عمليات القتل بالرصاص في الضواحي في خلال الأعوام التي زادت فيها في بلدهم. ففي كوبنهاغن، بدا أنّ السلطات باتت تسيطر على موجة القتل واحتراب العصابات منذ عام 2017، العام الذي شهد انفجاراً في أرقام حوادث إطلاق النار، مع تدخّل سياسي وصلاحيات أمنية واسعة وتفكيك وحظر مجموعات تستّرت تحت أسماء جمعيات لممارسة نشاطها كعصابات منظمة.
ويذهب تقرير المجلس السويدي لمكافحة الجرائم والوقاية منها في الاتجاه ذاته. وبحسب بيانات وزارة العدل في كوبنهاغن، فإنّ 20 شخصا كانوا ضحايا إطلاق نار في الفترة الممتدة ما بين 2012 و2017. لكنّ هذه الأرقام الدنماركية تستند إلى مجموعة الأحكام المرتبطة بالعصابات فقط في حالات الإدانة، ما يعني أنّ جرائم أخرى وقعت من دون تضمينها في البيانات. ومقارنة بالعنف المفضي إلى القتل بشكل عام، سٌجّل في عام 2018 مقتل 58 شخصاً في الدنمارك نتيجة العنف، في حين سجّلت السويد 108 حالة، وهو ما يوضح مدى عمق انتشار العنف في السويد، ودائماً وفقاً للتقرير نفسه ولتصريحات متخصصين في هذا الشأن.
ويسجّل التقرير السويدي كذلك، أنّ حوادث إطلاق النار والعنف المميت انخفضت بشكل عام في أوروبا منذ عام 2000، خصوصاً في الدول التي كانت تتصدّر القائمة. فسُجّل تراجع في فنلندا ودول البلقان ودول البلطيق وأوروبا الوسطى، فيما شهدت السويد زيادة ملحوظة ومستمرة "لم نلحظها في دول أوروبية أخرى"، بحسب ما يشير معدّو التقرير في مقارنتهم بـ22 دولة أوروبية أخرى. وتقدّم أرقام المجلس السويدي لمكافحة الجرائم والوقاية منها الذي يضمّ ممثلين عن الأجهزة الأمنية ومتخصصين في علوم الاجتماع، صورة متشائمة عن الضواحي السويدية. ويُبرز الباحثون والمتخصصون مشكلة القتل كـ"شكل من أشكال انتشار ثقافة الانتقام بين العصابات" في بيئات الجريمة المنظمة، فينتشر بين أفرادها السلاح بشكل كثيف وتتنازع على النفوذ والهيمنة على العالم السفلي والأسواق. ويرون أنّ "غياب الشهود، بفعل أنّ القاتل والقتيل من البيئة ذاتها في الجريمة المنظمة، يجعل جرائم قتل عدّة من دون حلّ ويؤدّي بالتالي إلى حلقة مفرغة من الانتقام والانتقام المضاد".
مقارنات
والدول التي أوردها التقرير السويدي للمقارنة هي بلجيكا والدنمارك وفنلندا وفرنسا واليونان وأيرلندا وإيطاليا وكرواتيا وسلوفينيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وهولندا والنرويج وبولندا وسلوفاكيا وإسبانيا وجمهورية التشيك وألمانيا وبريطانيا والمجر والنمسا. ومنذ عام 2003 حتى عام 2017، خصوصاً منذ عام 2013، تصدّرت السويد جرائم القتل بالرصاص بواقع أربع عمليات قتل من بين كلّ مليون شخص، فيما انخفضت تلك الجرائم في الدول الأخرى بواقع 1.3 كمتوسّط من بين كلّ مليون شخص.
وما يميّز الجرائم في السويد مقارنة بغيرها من الجرائم في أوروبا، هو أنّ القتل بالرصاص في غالبيته المطلقة يتم في بيئات العصابات المنظمة وعلى يدها. ويرى المجلس السويدي لمكافحة الجرائم والوقاية منها في تقريره، أنّ مردّ احتراب العصابات وارتفاع منسوب القتل يعود إلى "حرب على أسواق المخدّرات وتصارع المجموعات المختلفة (التي تشكّل العصابات) وغياب الثقة بالشرطة بين بعض المجموعات، فيما تقع تلك الجرائم مع انتشار هائل للسلاح المهرّب (نحو مليونَي قطعة منتشرة بين نحو 10 ملايين نسمة)". وما يلفت في الحالة السويدية كما الدنماركية، هو انخراط يافعين في تلك البيئات التي تجتذب مراهقين في أعمالها الإجرامية، خصوصاً في سوق المخدّرات.
وعلى الرغم من أنّ الفترة الأخيرة، في بداية إبريل/ نيسان الماضي، سجّلت اعتقال 32 عضواً في الشبكات الإجرامية بعد اختراق الشرطة الفرنسية وكذلك الأوروبية (يوروبول) عصابات منظمة استخدمت شبكة "إنكرو تشات" الإلكترونية للمحادثة واكتشاف مسائل خطيرة تتعلق بعمليات اختطاف وقتل، فإنّ المعضلة السويدية "رغم أهميّة الاختراق والاعتقالات ما زالت عميقة لجهة تقديم أدلة تفضي إلى أحكام"، بحسب وصف مسؤول شرطة إقليم استوكهولم ماتس لوفينغ.
وتواجه حكومة يسار الوسط السويدية، بزعامة ستيفان لوفين، حرجاً كبيراً مع تفشّي الجريمة المنظمة، وذلك خصوصاً لجهة استغلال الأحزاب السياسية وبعض صحافة اليمين موجات العنف والتقرير الأخير المذكور، لتوجيه اتهامات لها بفشل سياستها الخاصة بالهجرة وبفرض الأمن. ويقول يوهان فورسيل من حزب المحافظين (اعتدال) الذي حكم حتى عام 2014: "رأينا وبكلّ أسف أنّ تحذيراتنا لم تؤخذ جدياً على مدى أعوام". ونقل التلفزيون السويدي "إس في تي" تصريحات للمعارضة اليمينية حمّلت حكومة لوفين مسؤولية السلبية في مجتمع السويد، فقال زعيم الحزب الشعبوي" ديمقراطيو السويد" جيمي أوكسون إنّ "الفضيحة هي أن تصل الأمور إلى هذا المستوى الذي تستسلم فيه الحكومة وتفقد السيطرة تماماً".
من جهته، رأى وزير داخلية حكومة يسار الوسط ميكائيل دامبرغ أنّ "على الدولة ألا تنسى التجمعات السكنية الفقيرة (في ضواحي المدن) حيث تنشئ عصابات منظمة أسواق مخدرات، والحؤول دون السماح بانتشارها". وذلك كله يؤشّر إلى أنّ أحزاب السويد بمعظمها، من اليمين إلى اليسار، تعترف بأنّ بلدها الذي احتل لعقود سمعة طيبة في مجال الأمن وتصدّر مؤشرات الرفاهية، بات تحت ضغط انتشار الجريمة فسبق دولاً أوروبية كانت أقل حظاً من السويد لجهة العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والجريمة المنظمة.
ووفقاً للوائح الاتهامات التي تقدّم بها الادعاء العام في حقّ الموقوفين في إبريل الماضي الذين أشير إليهم آنفاً، يتّضح أنّ تركيز العصابات يقوم على الشروع بالقتل وارتكاب جرائم خطيرة باستخدام السلاح والمتفجرات إلى جانب الخطف والسطو المسلح وفرض إتاوات والابتزاز الخطير وجرائم خطيرة تتعلق بالسرقة واقتناء مواد تفجيرية. وتلك الجرائم بمعظمها مرتبطة بالاتّجار بالمخدرات وباحتراب على السوق والتربّح السريع، وفقاً لما نُشر في لوائح اتهام طويلة حينها في حقّ هؤلاء البالغ عددهم 32 موقوفاً.