أستاذ عراقي يتواصل مع تلاميذه في الجزائر بعد 42 عاماً: من الأنبار إلى ورقلة
غادر أستاذ العلوم الطبيعية وعلم الأحياء، بهجت محمد أمين، مدينة ورقلة جنوبيّ الجزائر عام 1980، وكان قد قضى فيها أربع سنوات مدرساً في الثانوية الوحيدة في ورقلة في تلك الفترة، التي وصل إليها عام 1976، مبتعثاً من قبل الحكومة العراقية، في إطار التعاون بين الجزائر والعراق، الذي كان يخوض معركة التعليم والتعريب في آن واحد.
ومنذ مغادرته ورقلة والجزائر، قبل 42 عاماً، لم تسمح الظروف للأستاذ العراقي بهجت محمد أمين، بالعودة أو التواصل مع أصدقائه وتلامذته في الجزائر، لكن رسالة عابرة له على إحدى صفحات "فيسبوك"، ذكر فيها بعض أسماء تلاميذه الذين ما زالت الذاكرة تسعفه بتذكرهم، على غرار المير أحمد ومختار أحمد وباهي حفيان، لتفتح رسالته باب تواصل مجدداً بينه وبين تلاميذه.
ولعب رئيس تحرير صحيفة "الواحات" المحلية الصادرة بورقلة، علي خليف، دوراً في ربط الصلات بين الأستاذ العراقي وتلاميذه السابقين، وبفرحة كبيرة عبّر الأستاذ بهجت عن سروره لاتصاله بأهل ورقلة وبعض من تلاميذه، وقال في رسالته التي نشرها على صفحته على "فيسبوك"، الذي يستخدمه رغم تقدمه في السن: "زرعت بذوراً في ورقلة، ثم غادرتها، قطعت الحروب والحصار صلاتي بها، لم تغب عني وطال اشتياقي لها، وفي هذه الأيام أعاد الله اتصالي بها، إنهم تلاميذي وإخواني"، وأضاف: "منذ فارقت الجزائر كأنما متُّ، وبعودة اتصالي بكم أحياني الله بينكم"، حيث انهالت عليه التعليقات والاتصالات من تلاميذه، الذين عرفوه وتذكروا خصاله الطيبة وجهده الطيب في التعليم.
يقول الأستاذ بهجت الذي يقيم حالياً في مدينة عانة بمحافظة الأنبار العراقية خلال اتصال مع "العربي الجديد": "وصلت إلى الجزائر عام 1976 قادماً من بغداد، كنت في أشد الحماسة للتدريس في الجزائر ومساعدة هذا الشعب العظيم على تخريج طلبة ومتعلمين بعد سنوات الاستعمار، كنا ندعم مشروع التعريب الذي قاده الرئيس هواري بومدين، وما ساعدني على التأقلم سريعاً في ورقلة الجزائرية، أن مدير الثانوية كان قد درس في العراق، حاولت بعد العامين الأولين أن أطلب نقلي إلى ولاية أخرى في الشمال الجزائري، لكنهم ألحوا عليّ أن أبقى في ورقلة"، مضيفاً: "كنت أحظى بكثير من الاحترام من أولياء التلاميذ وسكان المدينة، أتذكر الكثير من المواقف الجميلة والخالدة".
يذكر الأستاذ بهجت الذي يبلغ الآن من العمر 80 عاماً، يوم مغادرته ورقلة والجزائر، قائلاً: "أرسلت عائلتي أولاً، وسافرت أنا مباشرة إلى الكويت لشراء سيارة عدت بها من هناك إلى بغداد"، مضيفاً: "أذكر أن يوم سفري من ورقلة كانت هناك زوابع رملية، كأنما كانت تود أن أبقى هناك، بعد عودتي إلى العراق، دخلت البلاد في حروب ثم في حصار، وانقطع اتصالي بالجزائر".
ويعبّر عن سعادته بعدما تمكن من التواصل مع عدد من تلاميذه أخيراً، قائلاً: "لقد شعرت بسعادة كبيرة أن يتصل بي تلاميذي الذين صار منهم الطبيب والمهندس والمعلم وغيرها من الوظائف".
من جهته، يقول الباحث والأستاذ في علوم التربية في جامعة قاصدي مرباح ـ بورقلة وأحد تلاميذ الأستاذ بهجت، الحبيب مشري، لـ"العربي الجديد": "ما زلت أذكر جيداً هذا الرجل الشهم. علمني مادة العلوم الطبيعية في السنتين الأولى والثالثة ثانوي، وكان متمكناً من مادته إلى حد بعيد ومتفانياً في عمله. كنت أراه كثيراً يتوجه إلى الحقول وبساتين النخيل ويجمع عينات من النبات التي يستخدمها خلال التعليم. كان يعاملنا مثل أولاده". يضيف: "لن ننسى جميله علينا".
لا يقتصر الأمر على الأستاذ العراقي بهجت محمد أمين، فعدد آخر من الأساتذة العرب الذين عملوا في الجزائر، ما زال يشدهم الحنين إلى الجزائر. فقبل أيام أرسل الأستاذ الفلسطيني خليل موسى، الذي كان يدرّس اللغة الإنكليزية في ثانوية العربي بن مهيدي ببسكرة جنوبيّ البلاد، إلى أحد زملائه في الجزائر، صورة تعود إلى صيف عام 1991، في حفل وداعه قبيل مغادرته الجزائر.