أسبوع المولد النبوي... فرحة سكان جنوبي الجزائر

أسبوع المولد النبوي... فرحة سكان جنوبي الجزائر

27 سبتمبر 2023
تشارك حشود كبيرة باحتفالات المولد في قُورارة (العربي الجديد)
+ الخط -

تعتبر ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة ذات خصوصية رمزية وروحية في مناطق الجنوب الجزائري، وهي إحدى المناسبات الدينية الكبرى التي تشهدها المنطقة، والتي تضم عاشوراء، وليلة القدر، ورأس السنة الهجرية.
وتتميز منطقة "قُورارة" بولاية "تِيمِيمُون" (جنوب غرب)، بطريقة مختلفة في الاحتفاء بالمولد النبوي، إذ تتواصل الاحتفالات أسبوعاً، ويطلق عليها "السّبُوع" أو "سبوع المُولد"، وتشمل زيارة سنوية إلى زاوية "سيدي الحاج بلقاسم".
تعدّدت الروايات حول بداية الاحتفال السنوي بأسبوع المولد النبوي في "قورارة"، ويشير أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة "سطيف" عثمان خليفاتي إلى أنه بدأ على أيدي الولي سيدي الحاج بلقاسم قبل أكثر من خمسة قرون، أي في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "السّبُوع في منطقة تيميمون يحمل قيم الجماعة، وتلتقي فيه الشعائر والطقوس والمراسم والرموز. يسعى أعيان المنطقة عبر الاحتفال بالمولد في كل سنة إلى الحفاظ على الطابع الديني للمناسبة، وضمان ترسيخها وتوريثها من جيل إلى آخر".
تبدأ الاحتفالات مع ظهور هلال شهر ربيع الأول، في كل مناطق إقليم "قورارة"، حيث ترتفع الزغاريد، ويتكرر التهليل، وتعكف النساء على تنظيف المنازل، ويتولى الرجال تنظيف المساجد والشوارع والساحات، إيذاناً ببدء الأسبوع الاستثنائي، ويتم طلاء مختلف أضرحة الأولياء الصالحين في المنطقة باللون الأبيض، وتسمى العملية بـ"التجيار"، فضلاً عن انطلاق دروس الوعظ والإرشاد بمضامين السيرة النّبوية.
في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول (ليلة المولد)، يسهر الجميع في المساجد لتلاوة القرآن والصلاة على النبي، وتتخلل ذلك المدائح الدينية حتى طلوع الشمس، ويستمر الأمر على المنوال نفسه حتى اليوم الثامن عشر من الشهر نفسه، وطيلة الأسبوع يحرص السكان على حضور سهرات المديح النبوي، وتلافي الخلافات، وتعميق أواصر المحبة.

الصورة
تشارك في احتفالات المولد وفود من كل المناطق (العربي الجديد)
تشارك في احتفالات المولد وفود من كل المناطق (العربي الجديد)

ويشهد اليوم السابع بعد ذكرى مولد الرسول، والذي يطلق عليه اسم "يوم اللقاء"، تجمّعاً ضخماً يضم وفوداً قادمة من مختلف مناطق "قورارة"، حيث يكلّف أعيان كل منطقة من يمثلها، ليشارك حاملاً رايتها التي تمثل بدورها الولي الصالح للمنطقة، وأبرز المناطق هي "تابلكوزة" و"أنجلوا" و"أجدير" و"أولاد عيسى" و"امساهل" و"الواجدة" و"أوقروت"، ويتبع كل وفد مساراً خاصاً به مشياً على الأقدام، حتى الوصول إلى زاوية "سيدي الحاج بلقاسم"، وهي نقطة اللقاء.
وتتوافد أعداد كبيرة من سكان المنطقة إلى زاوية "سيدي الحاج بلقاسم"، بالإضافة إلى الزوار القادمين من الولايات الأخرى، والسياح الأجانب الذين يرغبون في المشاركة بهذه التظاهرة الدينية. أثناء المسير نحو مكان التجمع، يُنشد الزوار قصائد مختلفة في مدح النّبي، ويكون لباس الحضور المشكل من العباءة والعمامة كله باللون الأبيض، وهو الزي المتعارف عليه في المنطقة، مع حمل البعض الرايات الخضراء.
في يوم 17 ربيع الأول، وبعد صلاة العصر، يلتقي الزوار في "ماسين" لزيارة ضريح "سيدي أحمد بن يوسف"، ثم يتشكل تجمع يسمى "الجبل" في "تِيمِيمون"، يلحق ذلك الوصول إلى ما يطلق عليه سكان المنطقة "لقاء الحفرة"، وفي اليوم الـ18 من شهر ربيع الأول، تتوافد جموع الزوار من الداخل الجزائري وخارجه إلى "تيميمون"، والتي يصلها كثيرون من المناطق المجاورة مشياً على الأقدام.

الصورة
فعاليات متوارثة لاحتفالات المولد في الجزائر (العربي الجديد)
فعاليات ذكرى المولد متوارثة في الجزائر (العربي الجديد)

من تيميمون، يقول الطالب بجامعة ورقلة أحمد قاسمي لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد تبادل التحية بين كبار وأعيان المناطق، تتوجه الوفود نحو (الحفرة)، وهي مكان منخفض توجد فيه زاوية سيدي الحاج بلقاسم، والتي تبعد أربعة كيلومترات عن المدينة، وترتفع الأصوات عند الوصول إلى الحفرة، ثم تشكل الوفود حلقة واسعة، ويرددون الأهازيج الدينية".
يضيف قاسمي: "تتذكر المنطقة خلال هذه المناسبة أمجادها وتاريخها وسير رجالاتها، ومظاهر المناسبة تمكن من لم شمل السكان، وتجاوز خلافاتهم، وتحثّهم على الوحدة والتآزر. عند ختام التظاهرة، يرفع الناس أيديهم لقراءة سورة الفاتحة ثلاث مرات، فيما يطلب كل شخص حاجته من الله أمام قبر الولي الصالح، ويطلبون شفاعة الرسول يوم القيامة. تبقى راية واحدة أمام الضريح مكتوب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتتفرّق الجموع، ويعود كل وفد إلى منطقته، ويتخذ الجميع مسار القدوم ذاته".
وللاحتفال بـ"السبوع" أبعاد منها الطابع الديني الذي يميّز المنطقة، ومحافظة سكانها على التقاليد، وتقديسهم سيرة النبي محمد، والاعتقاد السائد بكرامات الأولياء الصالحين، كما تحمل المناسبة عمقاً اجتماعياً، إذ تمثّل أحد صور الروابط المجتمعية بين السكان، وتساهم في متانة التماسك بين الأفراد والعائلات، وتعدّ فرصة للقاء، ومناسبة لفض النّزاعات والخلافات.

تؤكد الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر سعاد بلخوجة أن "سبوع المولد مناسبة حازت شهرة محلية ودولية، إذ أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في عام 2015، ضمن قائمة التراث الثقافي الإنساني غير المادي"، مشيرة إلى أنه "إلى جانب البعد الروحي للاحتفالية، أضحت تِيمِيمون قبلة للزوار، وتحمل المناسبة أبعاداً ثقافية واجتماعية واقتصادية، إذ توسعت إلى إقامة أنشطة موازية، من بينها (الحضرة)، ومهرجان (أهليل)، وتأدية رقصات شعبية فلكلورية تعكس تقاليد المنطقة وخصوصيتها، بالإضافة إلى إشراك السكان في إحياء جميع الفعاليات، وإعداد الأطباق التقليدية، وعرض مختلف المنتجات التقليدية".

المساهمون