أزمة النزوح تدفع عراقيّين إلى الانتحار

07 نوفمبر 2021
ترتفع حدة الفقر في المخيمات (صافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

تزداد معاناة النازحين العراقيّين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم منذ أكثر من سبع سنوات، والهرب باتجاهات متفرقة، منها إقليم كردستان شمالي البلاد، في ظل قلّة الخدمات والعوز والفقر، ناهيك عن الأمراض وتراجع الاهتمام الحكومي وتخلّي المنظمات الدولية والإغاثية عن تقديم الدعم المالي واللوجستي لهم، بالتزامن مع استمرار فشل جهود إقناع مليشيات مسلّحة تحتل بلدات عدة وترفض إعادة أهلها بالانسحاب منها.
وتداولَ ناشطون في مقطع مصوّر وصفه متابعون بـ"الصادم"، انتحار مواطن عراقي يرتدي زياً عربياً، تبين أنه نازح، وقد رمى نفسه أمام شاحنة نقل كبيرة في أربيل. وبحسب مصادر حقوقيّة في أربيل عاصمة إقليم كردستان، فإنّ الحادثة ليست الأولى من نوعها، وتم تسجيل حالات انتحار عدة خلال الأشهر الماضية لنازحين بوسائل مختلفة جميعهم من العرب المقيمين في إقليم كردستان، يواجهون ظروفاً نفسية ومعيشية صعبة للغاية، ولدى غالبيتهم عائلات وهم من مختلف الأعمار وكلا الجنسين. وتؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "بعض حالات الانتحار حدثت داخل المخيمات، أحدها صبيحة عيد الأضحى، وكانت مفجعة لكل أهل المخيم وقد عمدت أم إلى حرق نفسها. وهي من مدينة جرف الصخر التي تسيطر عليها مليشيات حليفة لإيران وتمنع عودة أهلها إليها".

في هذا السياق، يؤكّد وكيل وزارة الهجرة العراقية، كريم النوري، أنّ "ملف النزوح ليس سهلاً، لكن الوزارة تعمل بكل طاقتها في سبيل توفير الأجواء الآمنة لجميع النازحين لضمان عودتهم إلى مناطقهم الأصلية. ولدى الحكومة العراقية خطط وعمل مشترك وتنسيق جيد مع إدارة إقليم كردستان من أجل ضمان عودة النازحين، الذين يقدر عددهم بـ 39 ألفاً، ومعظمهم في مخيمات الإقليم". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن "وزارة الهجرة وعبر التنسيق العالي مع الحكومة والسلطات الأمنية وإدارة الإقليم في كردستان، تمكنت خلال عام واحد من إغلاق نحو 50 مخيماً للنزوح في 5 محافظات، وإعادة نحو 81 ألف أسرة من أصل 120 ألفاً، بعد حل جميع المشاكل الأمنية والعشائرية وتوفير الخدمات للمناطق التي شهدت معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتوفير بيئة آمنة".
يُشار إلى أن وزارة الهجرة العراقية لا تحتسب النازحين ممن يقيمون خارج المخيمات، إذ تتخصص بتقديم المساعدة لنازحي المخيمات، بينما يقدر إجمالي النازحين خارجها بأكثر من 750 ألفاً. وبحسب تقديرات لناشطين، فإن عدد النازحين الكلي في العراق يقترب من مليون شخص، ويقيم هؤلاء في مجمعات سكنية على نفقتهم في بلدات عدة بأربيل والسليمانية، بالإضافة إلى بغداد والأنبار، وغالبيتهم من مناطق شمال بابل مثل بلدة جرف الصخر، وبعض مدن محافظة نينوى التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة والمليشيات مثل سهل نينوى والساحل الأيمن من مدينة الموصل.
وفي السياق، يقول الناشط المدني من الموصل يحيى الأعرجي لـ "العربي الجديد"، إنه "بين فترة وأخرى، نسمع من خلال العاملين في المخيمات حدوث حالات انتحار، إلا أن الإعلام الحكومي يتجاهلها. كما تسعى المؤسسات الإعلامية التابعة والمملوكة للأحزاب والفصائل المسلحة إلى طمر بعض الأحداث والحقائق في المخيمات، وخصوصاً الفقر والجوع وانتشار الأمراض".

مخيم في أربيل (صافين حامد/ فرانس برس)
مخيم في أربيل (صافين حامد/ فرانس برس)

ويؤكد أن "السلطات العراقية قادرة على إنهاء معاناة أهالي الموصل من النازحين وغيرهم من المحافظات الأخرى، وحسم ملف النازحين تماماً، لكن المليشيات المسلحة تمنع هذا التوجه، ولا سيما في بعض مناطق الموصل، إضافة إلى صلاح الدين وبابل وديالى، وتحوّل هذا الملف إلى حجة للتسابق السياسي والاستغلال".
من جهته، يقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، إنّ "حكومة إقليم كردستان توفر الاحتياجات الخاصة بالنازحين، سواء على صعيد التسهيلات الأمنية أو اللوجستيات الخاصة بالأكل والشرب وتوفير التيار الكهربائي، على الرغم من قلة الدعم المالي المقدم من بغداد، ولا بد أن تكون هناك قرارات حكومية جادة من أجل إنهاء هذا الملف، لا سيما بعد مرور نحو 6 سنوات على الأزمة، وظهور مشاكل نفسية لدى النازحين ساهمت في زيادة نسبة الانتحار أو اللجوء إلى العنف". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "عموم مناطق العراق حُررت من داعش ولم يعد هناك أي مبرر لبقاء النازحين في المخيمات. لكن يبدو أن هناك إرادة حزبية وأخرى لفصائل مسلحة تمنع عودة نازحي بعض المناطق، وهذا ما يُعطل عودتهم، لا سيما في البلدات والنواحي التي تسيطر عليها المليشيات سيطرة كاملة".
من جهته، يقول رئيس لجنة العمل والهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، إن "سنوات من النزوح كانت كافية لتجويع وإذلال آلاف العراقيين بسبب سياسات خاطئة في رعاية النازحين والمهجرين من ديارهم سواء بسبب الحرب، أو بسبب سلاح الفصائل المسلحة والمليشيات والعصابات التي تعتاش من جراء التوترات الأمنية، وليس غريباً أن نسمع بانتحار أحد النازحين، وهو مؤشر خطير".
يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "حكومة عادل عبد المهدي السابقة كانت قد تنصلت عن وعودها بإنهاء ملف النازحين. أما حكومة الكاظمي فيبدو أنها غير جادة في إنهاء هذا الملف، بسبب انشغالها بالانتخابات والملفات السياسية، ويبقى النازحون هم الشريحة الخاسرة، وخصوصاً مع استمرار انعدام توفير الخدمات، وغياب الاستقرار الأمني، وانعدام فرص العمل، التي دفعت بعض الأسر التي عادت إلى منازلها خلال الفترات الماضية، ثم اتجهت مرة أخرى إلى المخيمات بسبب غياب مستلزمات العيش، ناهيك عن انفلات السلاح في بعض المناطق".

وتشكلت الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي في مايو/ أيار 2020، وعدت عند بداية تشكيلها بحل أزمة النزوح بشكل نهائي، إلا أنها لم تتمكن من إعادة أهالي البلدات التي تحتلها المليشيات منذ سنوات وترفض الانسحاب منها، وأبرزها جرف الصخر، يثرب، العويسات، العوجة، ذراع دجلة، الثرثار، مجمع الفوسفات، مجمع بيجي، بالإضافة إلى مناطق أخرى وعشرات القرى، غالبيتها بمحافظات نينوى وصلاح الدين.

المساهمون