في ظلّ الارتفاع الكبير والمتسارع في أعداد المصابين بفيروس كورونا، واكتظاظ المستشفيات، وعدم وجود أسرّة في غرف العناية المركزة، خصوصاً في الآونة الأخيرة، انطلقت حملات مجتمعية وشعبية في معظم المدن والبلدات والمخيمات في الضفة الغربية المحتلة، بهدف حثّ المواطنين على التبرع لشراء أجهزة التنفس الاصطناعي وأسطوانات الأكسجين، لمساعدة مرضى كورونا.
وبعد حصولها على جهاز تنفس اصطناعي سعته 10 ليترات، تمكنت م. ل. (44 عاماً)، من مغادرة المستشفى بعد ثلاثة أسابيع قضت معظمها في غرفة العناية المركزة، من جراء إصابتها بفيروس كورونا. وتبرعت حملة "أنفاس الحياة" التي أطلقها تجمّع النقابات المهنية في محافظة نابلس شمال الضفة الغربية، بالجهاز، وقد استطاعت توفير عدد كبير من الأجهزة التي يحتاجها مرضى كورونا وإعارتها لمن يحتاج إليها.
وتقول م. ل. لـ "العربي الجديد": "عشت أياماً صعبة جداً من جراء إصابتي بالفيروس. وعندما بدأت أتماثل للشفاء، اشترط الأطباء علي، وقبل موافقتهم على مغادرتي المستشفى، أن يكون هناك جهاز تنفس اصطناعي في بيتي. لكنني مطلقة ولدي ثلاثة أطفال ولا أعمل وبالتالي لا أستطيع شراءه". فتواصل أقارب المريضة مع القائمين على حملة "أنفاس الحياة"، الذين لبّوا النداء على الفور، لتعود م.ل. إلى بيتها وتترك سريرها في المستشفى لمريض آخر يحتاج إليه.
في هذا الإطار، يقول المهندس يزن جبر، من حملة "أنفاس الحياة"، لـ "العربي الجديد"، إن "كثيرين من المصابين بكورونا يمكنهم مغادرة المستشفيات في حال توفرت الرعاية الصحية المنزلية لهم، وتحديداً أجهزة التنفس الاصطناعي. فكان قرار تجمع النقابات إطلاق حملة كبيرة لجمع التبرعات من أجل شراء تلك الأجهزة بأحجامها المختلفة لمساعدة أولئك المرضى والتخفيف من الاكتظاظ في المستشفيات، في ظل ارتفاع أعداد الإصابات بشكل كبير مؤخراً".
وتمكنت حملة "أنفاس الحياة" حتى الآن من شراء وتوفير 35 جهازاً للتنفس الاصطناعي سعة خمسة ليترات، و22 جهازاً سعة عشرة ليترات، وعدة أسطوانات أكسجين، وخمسة أجهزة تبخير دوائي. ويتراوح سعر جهاز التنفس الاصطناعي سعة 5 ليترات ما بين 2000 شيكل (نحو 607 دولارات) و2200 شيكل (نحو 668 دولاراً)، وسعة 10 ليترات ما بين 4000 شيكل (نحو 1215 دولاراً) و4500 شيكل (نحو 1367 دولاراً)، وجهاز التبخير الدوائي ما بين 100 شيكل (نحو 30 دولاراً) و150 شيكلاً (نحو 45 دولاراً).
وفي نابلس أيضاً، انطلقت مبادرة "شهيق أمل"، لجمع تبرعات لشراء أجهزة التنفس الاصطناعي وتوزيعها على مرضى كورونا غير المقتدرين. يقول حسام المصري، من الحملة، لـ "العربي الجديد": "المبادرة تفتح المجال لكافة الراغبين في المساعدة. يبدأ التبرّع بنحو ثلاثة دولارات، ويوضع المال في صناديق في أنحاء متفرقة في مدينة نابلس لمدة ثلاثة أيام، ثم يجمع المبلغ لشراء أجهزة تنفس اصطناعية بعد الحصول على عروض من الموردين. وحث المصري المرضى المقتدرين مادياً، والذين اشتروا أجهزة أكسجين للاستخدام الشخصي، على التبرع بها بعد شفائهم لمن يحتاجها.
حملات التبرع من أجل توفير أجهزة تنفس اصطناعية شملت أيضاً قرية كفر قدوم شرق مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، حيث أطلق ناشطون حملات مشابهة، واستطاعوا شراء نحو عشرة أجهزة. يقول الناشط رجائي قدومي لـ "العربي الجديد": "فقدنا أعزاء بسبب كورونا الذي تفشى في قريتنا أسوة بغيرها. ورأينا كم عانى المصابون من جراء امتلاء المستشفيات، فكان القرار بإطلاق حملة لتوفير أجهزة تنفس اصطناعية ووضعها تحت تصرّف من يحتاجها. لن ننتظر أن يختنق عزيز علينا ولا يجد ما ينقذ حياته".
وكتب قدومي على صفحته على "فيسبوك": "نبشركم أن أجهزة التنفس الاصطناعية وصلت، وهي الآن بانتظار تشكيل لجنة طبية تشرف على صرفها لمستحقيها. نعلم أنكم أهل المسؤولية، ولكن لا بد من وجود نموذج يتعهد من خلاله من يستلم جهازاً بأن يحافظ عليه كونه ملكا للقرية، وهناك من سوف يحتاجه من بعده. الأجهزة سوف تعطى بناء على قرار الطبيب المختص، وستكون هذه بداية لانطلاق حملة أخرى لتوفير أسرّة ومعدات تجهيز غرفة عناية أولية في القرية تحت إشراف طبي".
كذلك في قباطية جنوب جنين شمال الضفة الغربية، تمكّن ناشطون من شراء العديد من أجهزة الأكسجين لمن يعانون من مشاكل في التنفس نتيجة إصابتهم بالفيروس. ويقول الناشط ثامر سباعنة لـ "العربي الجديد": "في إطار تزايد عدد الإصابات بين أهالي بلدة قباطية، وعدم استيعاب المستشفيات لهم، كان الحل بتوفير أجهزة أكسجين لتخفيف العبء عن الطواقم الطبية ومدّ المرضى بأسباب الحياة"، على حد وصفه. ويلفت سباعنة إلى أن "الإقبال على التبرع كان كبيراً. منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحملة، هب الجميع لمد يد العون. هناك من تبرع بثمن جهازين معاً، ومن اقتطع من قوت أولاده وقدمه لنا".
وواجه القائمون على الحملة، بحسب سباعنة، صعوبة في توفير الأجهزة نظراً للإقبال الكبير عليها، بالإضافة إلى تذبذب أسعارها وارتفاعها بسبب الطلب الكبير عليها، فيما يؤكد سباعنة أنه "تم الاتفاق مع المستفيدين على الحفاظ على الجهاز واسترجاعه بعد الانتهاء من استخدامه، ليخضع لعملية تعقيم بحسب البروتوكولات الطبية، ليكون متاحاً لاستخدام مريض آخر".
كما انطلقت حملات أخرى في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وفي مدينة سلفيت شمال الضفة، وفي بلدة سنجل شمال رام الله وسط الضفة، وقرية فرعون في طولكرم، بالإضافة إلى حملة نفذها صندوق التضامن الخاص بكورونا في جامعة بيرزيت شمال رام الله.