يعتبر تغير المناخ من أهم القضايا التي تواجه كوكبنا اليوم. وتركز هذه القضية في المقام الأول على ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ إن التغيرات في هطول الأمطار، ونوعية الهواء، والتنوع البيولوجي، والمناطق الصالحة للسكن والعديد من المناطق الأخرى هي جزء من تغير المناخ وتتأثر وتؤثر به. لكن على السياسي اتخاذ القرار المبني على الأبحاث العلمية من أجل وقف هذا التغير قبل فوات الأوان وليس اتخاذ القرار الارتجالي الذي لا يؤدي إلى استدامة وقف تغير هذا المناخ.
علمياً، تقول الدراسات التي يجهلها الكثيرون إن الحرارة سترتفع بنحو 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، وهذا ارتفاع خطير على مستوى الكوكب. وتوضح الدراسات أن تغير المناخ سيصل بالحرارة إلى زيادة بمقدار 2 ـ 4 درجات مئوية عام 2100.
اليوم، واحد في المائة فقط من الكوكب يقع ضمن ما يسمى بالمناطق الساخنة "بالكاد صالحة للعيش". ولكن بحلول عام 2050، يمكن أن ترتفع النسبة إلى ما يقرب من عشرين في المائة. أما في عام 2100، فيمكن أن ترتفع درجات الحرارة لدرجة أن قضاء بضع ساعات خارج بعض العواصم الرئيسية في جنوب آسيا وشرق آسيا قد يكون مميتاً. فهل يعي السياسيون هذا الواقع؟ وهل سيتعاونون مع بعضهم البعض في الدول المختلفة لوقف هذا التدهور الذي يواجه الكوكب وما عليه، وخصوصاً لناحية تخفيض حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي؟
تتوقع منظمة الصحة العالمية أنه بين عامي 2030 و2050 ستؤدي تأثيرات تغير المناخ إلى حدوث 250,000 حالة وفاة إضافية على مستوى العالم كل عام. ويرجع ذلك أساساً إلى سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري. فهل ستتحرك أيها السياسي بالفعل وليس بالقول، لتمد يدك إلى كل العالم لتنقذ الكوكب بما في ذلك وطنك وشعبك من ضغوط تغير المناخ؟ يجب أن نعلم أنه بسبب تغير المناخ منيت أوروبا بخسائر بشرية واقتصادية وبيئية كبيرة، وأصبحت أسرع قارة بالعالم بارتفاع درجة الحرارة. تميز عاما 2022 و2023 بالحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات. ووصلت درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء أوروبا إلى مستويات عالية جديدة مصحوبة بموجات حر بحرية. وفي البحر المتوسط وصلت حرارة سطح المياه إلى 28.8 درجة مئوية.
وكان ذوبان الأنهار الجليدية غير مسبوق. وسجل يوليو/ تموز 2023 رقماً قياسياً بارتفاع الحرارة على مستوى الكرة الأرضية. وستكون درجات الحرارة شديدة في أماكن أكثر وفي أوقات أكثر من أي وقت مضى. وسيكون القليل من الأرض صالحاً للسكن بشكل مقبول كما في الماضي. وستستمر النظم البيئية وعلاقاتنا مع النظم البيئية في التغيير، ما يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن على هذا الكوكب. هذه ليست نظرة متشائمة لأن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن الاحترار 1.5 درجة مئوية يشير إلى أن آثار الوصول إلى هذه العتبة يمكن أن تشمل الأيام الحارة الشديدة في خطوط العرض الوسطى التي تكون أكثر دفئاً بمقدار 3 درجات مئوية عن أوقات ما قبل العصر الصناعي، ارتفاع مستوى سطح البحر حتى ثلاثة أرباع المتر بحلول عام 2100، وفقدان أكثر من نصف الموطن الحيوي لـ 8 في المائة من النباتات و4 في المائة من الحيوانات.
هنا يصبح القرار السياسي أكثر أهمية لمواجهة تغير المناخ بالابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري والحد من انبعاث الغازات الدفيئة واللجوء إلى الطاقة النظيفة والمحافظة على الغابات والحشائش البحرية والتخلص من الكربون. مثل هذا القرار اتخذته الدول الإسكندنافية عام 2017 بموجب قوانين المناخ وإطار سياسة المناخ لديها بإعداد نفسها لتحييد الكربون بحلول عام 2045. لذلك، فإن كمية الغازات الدفيئة التي تنبعث منها ستنخفض من خلال الدورة البيئية الطبيعية والمشاريع التي تنفذها هذه الدول. وتعهدت أكثر من نصف باقي الدول بتحييد الكربون لديها عام 2050 مثل دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر من أكثر الدول تأثراً بتغير المناخ إلى جانب تشاد. أما المملكة المتحدة، فهي من أقل الدول التي تتأثر بتغير المناخ إلى جانب نيوزيلندا وأيسلندا وأستراليا وأيرلندا. أما لماذا تشاد فلأنها صنفت على أنها أكثر دول العالم عرضة للتأثر بالمناخ في مؤشر مبادرة التكيف العالمي في نوتردام، والذي يفحص تعرض البلد وحساسيته وقدرته على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.
حان الوقت للدول الأخرى التي لم تتعهد عملياً بتحييد الكربون لأن تبادر إلى ذلك بمباركة سياسية واقتناع محلي بأن حرق النفايات وحرق الغابات واستخدام البنزين والمازوت والفحم ومكبات النفايات وغير ذلك من أمور مشابهة سيحول كوكبنا إلى مزبلة سيكون العيش فيها مستحيلاً على أولادنا وأحفادنا.
(اختصاصي في علم الطيور البريّة)