"محامو الطوارئ" في السودان... دعم قانوني مجاني للمحتجين

30 أكتوبر 2022
مئات المعتقلين بتهمة التظاهر في السودان (إبراهيم حامد/فرانس برس)
+ الخط -

تعرض السوداني إبراهيم نقد الله للاعتقال أثناء مشاركته في موكب (مسيرة) 19يوليو/تموز الماضي، عند مدخل جسر "الفتيحاب" الرابط بين العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، وهو موكب مناهض للانقلاب العسكري الذي قام به قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
يقول نقد الله، لـ"العربي الجديد"، إنه تعرض للضرب الشديد من قبل عناصر الاستخبارات العسكرية التي اعتقلته، في انتهاك صريح لحقوقه الإنسانية، قبل أن تحيله إلى أحد أقسام الشرطة، وهناك أيضا تعرض للاعتداء والتعنيف، لكن من حسن حظه أنه وجد اثنين من "محامي الطوارئ" يرابطان أمام القسم لمساعدة أي موقوف، وسرعان ما باشرا مساعدته، ثم حضر محامون آخرون لاحقاً لاستكمال إجراءات إطلاق سراحه بكفالة مالية، وبعد ثلاثة أيام، كانوا حاضرين أمام المحكمة للدفاع عنه، ليتم حفظ البلاغ وإطلاق سراحه نهائياً. 
وأوضح أن "الاجتهاد والمثابرة التي يعمل بها محامو الطوارئ لا تضاهى، ولو أن كل مؤسسات المجتمع المدني تقوم بعملها مثل ما يفعلون، لعبرت البلاد الأزمة منذ فترة". 
لم يكن نقد الله وحده الذي حصل على المساعدة، فوفق جدول شبه يومي، يتوزع المحامون المتطوعون على أقسام الشرطة، خاصة في أيام المواكب المناهضة للانقلاب، بحثاً عن المقبوض عليهم، أو المفقودين، قبل أن يشرعوا في الدفاع عنهم، ومرافقتهم قانونياً حتى إطلاق سراحهم. 
أنشأت هيئة "محامو الطوارئ" كمنظمة مجتمع مدني في عام 2019، عقب إعلان الرئيس المعزول عمر البشير فرض حالة الطوارئ في البلاد لمجابهة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام حكمه، والمطالبة بتنحيه، والتي تلتها انتهاكات واسعة شملت عمليات اعتقال تعسفية لمئات الشباب، ومحاكمات سريعة، ومداهمة منازل لترويع الأسر، ومصادرة ممتلكات.
لكن برزَ دور الهيئة بشكل أوضح عقب انقلاب قائد الجيش الأخير، والتي حددت جملة من الأهداف التي يلخصها المحامي عبد العظيم حسن في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلا: "من أهم الأهداف مناهضة قوانين وأوامر الطوارئ المخالفة للدستور ومبادئ حقوق الإنسان، وتقديم العون القانوني لكل المتضررين منها، ومقاومة أية قرارات أخرى تصدر بموجبها، وتوثيق الانتهاكات على مدار اليوم". 
ويضيف حسن أن "محامي الطوارئ المنتشرين في كثير من المدن السودانية قدموا، منذ إنشاء الهيئة، العون القانوني لأكثر من 10 آلاف شخص ممن ألقي القبض عليهم، بداية من مرحلة التحري، مروراً بالعرض على النيابة، وصولاً إلى المحاكمة، وكل ذلك يجرى من دون مقابل مالي، بل في بعض الأحيان يدفعون من أموالهم الخاصة الغرامات التي تصدرها المحاكم بحق الموقوفين، إضافة إلى عملهم على دعم حملات التثقيف والتوعية القانونية، كما قام عدد من أفراد "محامو الطوارئ" بالمثول أمام المحاكم ضد قرار السلطة الانقلابية بقطع خدمة الإنترنت أكثر من مرة، حتى صدر قرار قضائي يلزم شركات الاتصالات بإعادة الخدمة، وتعويض المتضررين".

الصورة
تكررت اعتداءات الشرطة السودانية على المحتجين (محمود حجاج/الأناضول)
تكررت اعتداءات الشرطة السودانية على المحتجين (محمود حجاج/الأناضول)

ويوضح أن "الهيئة قدمت، في إطار نشاطها، عشرات المذكرات للهيئات القضائية والنيابة للمطابة بتحسين معاملة المحبوسين، وساهمت كذلك في إطلاق سراح العديد من المعتقلين السياسيين، ومن بينهم قيادات حزبية ووزراء سابقون، والنشاط ليس محصوراً في الخرطوم، بل امتد إلى عدد من المدن السودانية، ومنها الدويم وبورتسودان وكسلا والفاشر، والعقبة التي تواجه محامي الطوارئ دائماً تتمثل في عدم تعاون الأجهزة الرسمية، سواء الشرطة أو النيابة أو القضاء أو الطب العدلي".
ونفى المحامي السوداني وجود أية أغراض حزبية أو سياسية لهيئة "محامو الطوارئ"، مبيناً أن "أكثر من 90 في المائة من الأعضاء غير منتمين لأي حزب، ويدافعون عن أي شخص بغض النظر عن توجهاته السياسية أو الفكرية". 
بدوره، يؤكد المتحدث الرسمي باسم لجان مقاومة ولاية الخرطوم أسامة مبارك، لـ"العربي الجديد"، أن "الدور الذي قامت به هيئة "محامو الطوارئ"، طوال 12 شهراً من عمر الانقلاب، كان عظيماً، وكل الثوار الذين يُقبض عليهم في المواكب السلمية يجدون الدعم الكامل من محامي الطوارئ بتصديق إجراءات الضمانة المالية، إضافة إلى متابعتهم المستمرة ملفات شهداء الثورة في المحاكم، وحضور تشريح الجثامين لضمان صدور تقارير طبية ذات مصداقية من الطب العدلي، وتلك الأمور نابعة من أهمية دور المحامي في مجتمعه، وفي خدمة الشعب".

لا يتوقف دور "محامو الطوارئ" عند الذهاب إلى أقسام الشرطة والنيابات أو الوقوف أمام المحاكم، بل يتعداه إلى تبني قضايا وملفات مرتبطة بمحاربة خطاب العنصرية، مثل تبنيها تحريك إجراءات قانونية ضد أحد المحامين الذي اتهم بتويجه إساءات عنصرية لمدير التلفزيون الحكومي السابق لقمان أحمد، فضلاً عن التواصل مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لحثها على الضغط على السلطات السودانية لوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، والتوقف عن الكثير من الانتهاكات، كما نظمت الهيئة عشرات الوقفات الاحتجاجية أمام النيابات والمحاكم، وتضامنت مع ضحايا النزاعات القبلية في مختلف أنحاء السودان.
ودعمت الهيئة منذ نشأتها الاعتصامات المفتوحة، وغالباً ما تصدر توجيهات قانونية قبيل المواكب تحث فيها المشاركين على السلمية، وعدم اقتحام مراكز الشرطة، وعدم حمل الأسلحة، واعترضت أكثر من مرة على أخذ عينات من الدم والبول عنوة من الموقفين، كما تواصل التنسيق مع من النقابات والتنظيمات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين والصحافيين.
يقول سكرتير العون القانوني بنقابة الصحافيين السودانيين، طارق عثمان، إن "النقابة لديها تنسيق قانوني مع (محامو الطوارئ) للتدخل عقب القبض على أي من الصحافيين أثناء تغطيتهم المواكب، أو في قضايا النشر، وهم دليل ظاهر على أهمية دور منظمات المجتمع المدني بديلاً لمؤسسات الدولة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "بروز محامي الطوارئ شكل علامة فارقة على صعيد الدفاع عن حقوق الإنسان، وعليهم توسيع نشاطهم ليشمل مدناً إضافية، لأن المواطنيين كثيراً ما يعتقلون خارج نطاق القانون، ولا يحصلون على أي دعم، وليست لديهم الثقافة القانونية الكافية للدفاع عن أنفسهم".

المساهمون