على صفيحٍ ساخن يقضي الفلسطينيون عيد الفطر هذا العام في الضفة الغربية، بعد اشتداد المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي واشتعال نقاط التماس في مختلف مناطق الضفة، وارتقاء أربعة شهداء من ثلاث محافظات، أمس الأربعاء، وأول أمس الثلاثاء.
ولم يكتف الاحتلال بالقتل، إذ شنّ جنوده حملات اعتقال واسعة في صفوف النشطاء خاصة، وذلك بعد انضمام مدن الضفة للاحتجاج على تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالقدس والاعتدء المتواصل على المسجد الأقصى والمصلين، لتتسع رقعة التضامن وتشمل قطاع غزة الذي يستمر عدوان الاحتلال على المدنيين فيه.
لا أجواء للعيد في قرية اللبن الشرقية، شرق نابلس، شمالي الضفة الغربية، بعد استشهاد الشاب أحمد ضراغمة، وهو في الثلاثينيات من العمر، عندما كان يستقل وزميله في جهاز المخابرات العامة الفلسطيني محمد النوباني مركبة قرب حاجز زعترة العسكري المقام جنوب نابلس.
يقول رئيس مجلس قروي اللبن الشرقية يعقوب عويس، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا مظاهر للاحتفال بالعيد في القرية التي أوجعها استشهاد أحد أبنائها وفراقه في العيد لأطفاله الأربعة، كما أن أيدي أهالي القرية ما زالت على قلوبهم بعد إصابة زميله محمد النوباني بعدة رصاصات، وما زال في حالة حرجة على سرير أحد مشافي الداخل المحتل"، فيما يوضح عويس أن المواجهات بين شبان القرية الغاضبين وقوات الاحتلال مستمرة منذ استشهاد ضراغمة وإصابة زميله.
وفي جنوب الخليل، قتلت قوات الاحتلال بدم بارد أيضاً، في فترة السحور من فجر الأربعاء، الشاب حسين الطيطي (26 عاماً)، وهو شقيق الفنان محمد الطيطي، من مخيم الفوار، جنوب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، حيث كان على سطح منزله يراقب انطلاق الصواريخ من غزة، فأصيب بالرصاص بشكلٍ مباشر في الصدر، وارتقى شهيداً.
حرم الاحتلال والدة حسين وعائلته من وجوده بينهم في العيد، خاصة أن موعد خطبته كان مُحدداً بعد عيد الفطر، لكن رصاص الاحتلال كان أسرع، يؤكد الصحافي علاء السراحنة، من مخيم الفوار، في حديث لـ"العربي الجديد".
فوجئ أهالي مخيم الفوار برحيل الطيطي، وتهافت الأهالي إلى منزل الشهيد وبيت العزاء محاولين مواساة أهله وإسنادهم، خاصة بعد دخول والدته في صدمة نفسية عميقة.
الحزن يلفّ أيضاً قرية عقابا، شمال طوباس، شمال شرقي الضفة الغربية، فقد خطف رصاص الاحتلال الفتى رشيد أبو عرة (16 عاماً)، عندما اعتقلت قوات الاحتلال أحد قيادات حركة حماس في القرية، هو الشيخ مصطفى أبو عرة، ورغم تأكيد الأهالي لـ"العربي الجديد"، هدوء الأوضاع في القرية، إلا أن حالة الإحباط طاولت جميع السكان في القرية.
ورغم أنه اليوم الأول من أيام عيد الفطر المبارك، إلا أن قوات الاحتلال اقتحمت، اليوم الخميس، منزل عائلة الشهيد محمد عمر النجار (36 عامًا)، في مدينة نابلس، وحققت ميدانيًا مع عائلته وسط صراخ أفرادها عليهم.
وقتلت قوات الاحتلال الشاب النجار مساء أمس، بعد إطلاقها الرصاص الحي عليه بالقرب من بلدة مادما، جنوب نابلس، ما أدى إلى استشهاده على الفور.
تجاوز عدد الفلسطينيين الذين اعتقلهم الاحتلال في الضفة الغربية منذ بداية شهر رمضان الكريم حتى قبيل العيد 230 فلسطينياً، بحسب إحصائيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، اللذان وصفا حملات الاعتقال الواسعة بالشرسة، خاصة مع تزامن التنكيل بالمعتقلين وعائلاتهم بتخريب محتويات منازلهم وتعرضهم للتعذيب الوحشي في ساعات الاعتقال الأولى والتحقيق معهم في المنازل قبل نقلهم للسجون أو مراكز التحقيق التابعة للاحتلال، ويتوقع أن تستمر قوات الاحتلال في حملات الاعتقال هذه خلال أيام العيد.
وانعكست الأوضاع العامة في القدس وغزة والعديد من مناطق الضفة الغربية على كل الفلسطينيين بفئاتهم المختلفة، فقد تراجعت حركة الأسواق قبيل العيد بشكلٍ ملحوظ، وخفتت بهجة العيد التي أضعفتها بالأصل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والسياسية غير المستقرة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، حسبما يقول الشاب محمد حمودة، لـ"العربي الجديد"، وهو الذي اختار بيع بعض أنواع الملبس وسط مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية.
يقول حمودة: "إن الوضع صعب، ويجب أن لا نحتفل بالعيد، وما أحاوله سد رمق عائلتي، ورغم ذلك فالعمل غير مُجد أصلاً، وما يحصل في غزة والقدس وارتقاء الشهداء اليوم زادنا حُزناً".
ومن أجل أطفالها وإشعارهم بفرحة العيد، اختارت الشابة لمار النتشة شراء بعض الحاجيات لإسعادهم، حيث تقول لـ"العربي الجديد": "لقد تبضعت لأطفالي فقط، فلا فرحة في قلوبنا من أجل العيد جراء ما يحصل حولنا. فعلت ذلك لأنني أعرف أن من الصعب أن يفهم الأطفال في هذا العمر الصغير معنى أن يحرموا من مظاهر الاحتفال بسبب الاحتلال".
أما هديل مصطفى، فإنها ترى أهمية أن يفرح الأطفال بالعيد بالمظاهر والوسائل الممكنة، رغم أنهم، برأيها، يدركون بسبب استخدامهم لوسائل التواصل ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي، سواء في القدس أو قطاع غزة ومناطق الضفة الغربية.
تقول هديل: "أحاول أن أفرح مع الأطفال. ورغم حزننا الداخلي، لكن العيد يفرض علينا واجباً دينياً لمحاولة زرع البهجة والفرح"، ثم ابتسمت ابتسامة عريضة في محاولة لاقتناص الفرح وإثبات أن الفلسطيني يستحقه حتى في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.
ورغم أن التجار يرون أن الأحوال غير مشجعة لشراء شيء بعد الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون، لكن الأسواق تبدلت أحوالها، ولجأ الكثيرون منهم لإطلاق إغان وطنية تمجد القدس والمقاومة عبر مكبرات الصوت أمام محالهم، وهو الأمر ذاته الذي فعله كثير من الشبان في سياراتهم، في أجواء تعبر عن الغضب مما يجري وعن الفرح بالمقاومة الفلسطينية.