على مدى السنوات الـ 18 الماضية، اعتمد العراق على البنى التحتية المشيّدة في ثمانينيات وسبعينيات القرن العشرين على صعيد الطرقات والجسور تحديداً، من دون إجراء مشاريع تأهيل أو تحديث لها، ما أدى إلى تهالكها وتحولها إلى "مصائد موت" تحصد العابرين يومياً، خصوصاً على تلك التي تربط بين المحافظات.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توفي 44 شخصاً وجرح حوالى 100 آخرين في حوادث سير مروعة وقعت في الأنبار وديالى والموصل وكركوك وواسط والبصرة وبغداد ومناطق أخرى، بينهم أفراد عائلة كاملة قضوا في اصطدام سيارتهم بشاحنة قدمت من الحدود الأردنية إلى غرب الأنبار.
وتقول مصادر طبية في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "عدد ضحايا الطرقات صار يفوق بأكثر من ضعفين عدد ضحايا العمليات الإرهابية".
وقد فاقم الفساد المالي الذي تعاني منه الدولة مشكلة الحوادث، إضافة إلى ارتفاع عدد السيارات نحو أربعة أضعاف عددها قبل الغزو الأميركي عام 2003. وبات العراقيون يطلقون على طرقات محددة أسماء تعرف بها بسبب الحوادث التي تشهدها، مثل "شارع الموت" و"شارع ألف مطب" و"شارع أبو الخسفات"، و"شارع انت وحظك". لكن ذلك لم يدفع الحكومات المتعاقبة لإصلاح الوضع، أو حتى فتح تحقيق للتدقيق في مبالغ 9 مليارات دولار التي رصدت خلال 8 سنوات بين عامي 2006 و2014 لقطاع الطرقات والجسور، ولم ير العراقيون أي شيء من مشاريعها.
وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توفي الشاعر الشعبي سمير صبيح بانقلاب سيارته بعد انحرافها بسبب خسوف في طريق يربط محافظة واسط بالعاصمة بغداد، ما دفع ناشطين وصحافيين إلى المطالبة مجدداً بفتح ملف "طرقات الموت"، والتحقيق في المليارات المهدورة. لكن الحكومة ووزارة الإعمار والإسكان المسؤولة عن تصليحات الطرقات لم تصدرا أي قرار في هذا الشأن.
ويعلق مسؤول في وزارة الإعمار رفض الكشف عن اسمه على تفاقم مشكلة الطرقات وصولاً إلى مرحلة الانهيار، بأنها "ناجمة من فساد بدرجة مماثلة لما تشهده وزارة الكهرباء". يضيف: "يعتمد العراق على شبكات الطرقات التي شيدتها شركات في دولة يوغسلافيا السابقة خلال الثمانينيات، وأخرى محلية في التسعينيات. وبعد الاحتلال الأميركي تحوّلت الطرقات إلى مناطق عسكرية تشهد عمليات حربية وعبور الدبابات والمدرعات الأميركية، ما عجّل في إنهاء عمرها الافتراضي من دون إخضاعها لصيانة أو إعمار أو توسيع".
ويشير إلى أن "غالبية الأحزاب والفصائل المسلحة تملك شركات مقاولات تنشط في مجال تشييد الطرقات والجسور، ما يجعلها مشاركة في فساد هذا القطاع، علماً أن الحكومة تبلغت في إحصاء أجري أخيراً وجود 1000 طريق متضررة وغير صالحة للاستخدام يجب إصلاحها كي لا تتحوّل إلى مصادر خطر تهدد الأرواح، لكنها لم تستجب بحجة عدم امتلاكها أموالاً كافية".
من جهته، يؤكد النائب السابق محمد اللكاش في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الحكومات السابقة كانت خصصت في أكثر من موازنة مالية سنوية مبالغ لترميم الطرقات الخطرة، لكن هذه المبالغ ذهبت إلى جيوب أعضاء في أحزاب نافذة، ولم يُنجز إلا نحو 10 في المائة من المشاريع المقررة".
ويتابع: "أخطر الطرقات في العراق هي تلك التي تربط بغداد بمحافظات إقليم كردستان، وتشهد صراعات حزبية على إعادة ترميمها، ما يعني أن العراقيين يقعون ضحية لسباق الأحزاب على هذه الصفقات".
كذلك يتحدث أهالي بغداد عن أن الطرقات الداخلية للمدن ليست أفضل حالاً من تلك الخارجية، وبينها طريق محمد القاسم الأطول في العاصمة، والذي يشكل أهمية كبيرة في الربط بين أحياء ومناطق قاطع الرصافة، ويعتمد عليه نحو 60 في المائة من سكان بغداد، لكنه يشهد حوادث سير كثيرة تتسبب في وفيات.
يقول علي المشهداني الذي يسكن في حي الدورة لـ"العربي الجديد"، إن "طريق محمد القاسم يتسبب في وفاة العشرات سنوياً بانحراف السيارات عن مسارها وانقلاب بعضها، والسلطات لم تنفذ أي إصلاحات فيه منذ سنوات".
وفي محافظة القادسية (جنوب)، يتحدث المسؤول المحلي زاهر الخفاجي لـ"العربي الجديد" عن أن "بعض الطرقات باتت خارج الخدمة بسبب الحفر الكثيرة التي تتسبب أيضاً في ازدحام وحوادث كثيرة في الطرقات البديلة".
يضيف: "لا تملك السلطات المحلية وتلك المركزية في بغداد أي حلول للمشكلة، باستثناء إصدار أوامر لمنع مرور شاحنات وسيارات ثقيلة عليها، وعلى جسور قديمة لمنع الحوادث، علماً أن وضعها حواجز خرسانية يتسبب أيضاً في مشاكل وحوادث مرور".
ورغم أن مديرية المرور العامة تعترف بأن الطرقات غير آمنة، تربط الحوادث غالباً بالسرعة الفائقة في قيادة السيارات. وذكرت في إبريل/ نيسان الماضي أن "معظم الحوادث تقع على الطريق الخارجي الذي يربط بغداد بمحافظة بابل، وآخر بين بغداد وكركوك بسبب الإهمال، ووجود حفر كثيرة، وتؤكد أن الحكومة لا تستجيب لنداءات معالجة الأمور".