راج خلال السنوات الأخيرة في الصين مصطلح "شنغ نيو"، ويعني باللغة الصينية "بقايا النساء"، لوصف الحالة الاجتماعية للفتيات غير المتزوجات اللواتي تجاوزت أعمارهن 27 عاماً. ويتم تداول هذا المصطلح بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في وسائل الإعلام الرسمية، الأمر الذي اعتبره حقوقيون تنمراً وتقليلاً من شأن ومكانة المرأة في مجتمع ذكوري. وتُظهر حملات دعائية منظمة النساء العازبات على أنهن وحيدات ويائسات وغير مؤهلات لخوض غمار الحياة. وفُسّر ذلك بأنه وسيلة غير أخلاقية لدفع الفتيات إلى الزواج في سن مبكرة، في ظل ارتفاع نسبة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج. وبحسب المكتب الوطني للإحصاء، فإن حوالي واحدة من كل خمس نساء تتراوح أعمارهن بين 25 و29 عاماً غير متزوجة.
وكان متوسط عمر الزواج بالنسبة للصينيات في خمسينيات القرن الماضي هو 18 عاماً، بينما أصبح الآن 27 عاماً. في غضون ذلك، شرعت الحكومة الصينية خلال الأشهر الماضية في تمويل وتشجيع نشاطات اجتماعية تنظم في حدائق وميادين عامة يلجأ إليها الشباب للعثور على زوجة في ظل الاختلال الكبير بين الجنسين، وذلك بعدما دق خبراء ناقوس الخطر محذرين من أزمة ديمغرافية تهدد الدولة.
هروب من الواقع
وتقول آي تشون، لـ "العربي الجديد"، وهي فتاة صينية عزباء تبلغ من العمر 36 عاماً، إنها تملك شقة في مدينة تيانجين، لكنها تقيم مع والديها في العاصمة بكين: "لا شيء يجبرني على الزواج. لدي كل مسببات السعادة. أنا موظفة في شركة اتصالات وأحصل على راتب جيد، كما أن لدى والدي راتباً تقاعدياً، وبالتالي لست مضطرة للإنفاق على أفراد عائلتي، فضلاً عن أنني لست مجبرة على إثبات شيء لأحد". تضيف: "من المؤسف وصف العازبات بأنهن بقايا النساء. أنا واحدة منهن لكنني لا أرى سبباً للازدراء والتنمر؛ فالكثير من الفتيات غير المتزوجات وصلن إلى مراتب متقدمة في عملهن، وحققن نجاحات كبيرة، لكن يبدو أن الزواج بات معياراً ومؤشراً على النجاح أو الفشل في مجتمع ذكوري". وتسأل: "لماذا لا يطرح هذا الوصم على الذكور غير المتزوجين الذين تجاوزت أعمارهم 30 عاماً".
من جهتها، تقول وي جين (34 عاماً) إنها اضطرت إلى مغادرة منزلها في مدينة كوانزو، والإقامة في مدينة شنغهاي، لأن والديها يشعران بالخجل لكونها عزباء. تضيف: "قبل سنوات من الآن، كان والداي متفهمين ومستسلمين لرغبتي في العزوف عن الزواج من أجل التفرغ للدراسة والحصول على شهادات عليا. لكن مع إلحاح الأقارب والجيران بات الأمر مزعجاً بالنسبة لهما، لذلك قررت أن أغادر كي لا أتسبب في مزيد من الحرج". وتلفت إلى أن المزعج في حياة العزباء هو نظرة المجتمع والاعتقاد بأننا نعاني من اضطرابات نفسية أو مشكلات عقلية. وتقول إن "صديقتها اضطرت تحت إلحاح أسرتها لأن تتزوج قبل عامين خوفاً على مستقبل شقيقتها الصغرى، لأن أمها أخبرتها بأنه في حالة ظلت عزباء لن يتقدم أحد لخطبة أختها لاعتقادهم بأن أفراد الأسرة يعانون من مرض نفسي ينتقل من جيل إلى آخر بالوراثة".
تتابع جين: "على الرغم من أنني أعيش وحيدة الآن بعيداً عن عائلتي، لكنني سعيدة في حياتي، ولدي العديد من الأصدقاء ونقوم بأشياء جميلة معاً، كالالتحاق بالنوادي الرياضية والرقص. وخلال العطل الأسبوعية، نتوجه إلى صالات السينما والمسارح. وفي بعض الأحيان نتطوع في اللجان الشعبية لمتابعة وتطبيق الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا داخل الأحياء المكتظة بالسكان في المدينة".
سلوك غير حضاري
متى بدأت هذه الظاهرة؟ وكيف تعمل النساء العازبات في الصين على تغيير نظرة المجتمع الذكوري التي يصفها البعض بأنها وصمة عار؟ تقول الباحثة الاجتماعية إيمي تان لـ "العربي الجديد" إن "ظهور مصطلح شنغ نيو يرتبط باختلال التوازن بين الجنسين كنتيجة طبيعة لسياسة الطفل الواحد التي انتهجتها السلطات الصينية قبل عقود، وتفضيل الذكور على الإناث"، مشيرة إلى أن "الاستخدام الأول للمصطلح كان في مقال نشر في صحيفة الشعب الحكومية عام 2008، وحذر من ازدياد نسبة العازبات في المجتمع وتأثير ذلك على نهضة الصين في المستقبل". تضيف أن "العديد من النساء شعرن بالتحرر من القيود الاجتماعية مع بداية عصر الإصلاح والانفتاح في البلاد مطلع ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي ساهم في صقل شخصية المرأة وجعلها أكثر استقلالية وثقة بالنفس"، لافتة إلى أنه "على الرغم من شيوع مصطلح شنغ نيو، فإنه لم ينل من قرارها ورغبتها في المضي قدماً من أجل تحقيق أهدافها وزيادة قدرتها التنافسية".
وتؤكد أن ميل البعض إلى ازدراء النساء غير المتزوجات في سن معينة ليس سلوكاً حضارياً، وعلى الحكومة ألا تكون جزءاً من حملة عنصرية كهذه، مطالبة أن تتوقف وسائل الإعلام عن استخدام هذا المصطلح، والبحث عن وسائل أخرى لحث الفتيات على الزواج دون الانتقاص من حقوقهن وكرامتهن.
وتعد سبعة ملايين امرأة عازبة تتراوح أعمارهن ما بين 25 و34 عاماً في المناطق الحضرية في الصين من بين أكبر المساهمين في نمو البلاد، بحسب المكتب الوطني للإحصاء. وتساهم النساء في تلك المناطق بنحو 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. يشار إلى أن الصين تحتفل بيوم الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام عيداً للعزاب، وتم اختيار موعد الاحتفال بهذه المناسبة نظراً لتكرار الرقم واحد في هذا التاريخ الذي تحول من مجرد مناسبة عاطفية إلى كرنفال للتسوق الإلكتروني، وبلغ حجم المدفوعات الإلكترونية خلال يوم العزاب 22.3 تريليون يوان، أي ما يعادل حوالي 3.5 تريليونات دولار.