لا تملأ السعادة فقط سكان مدينة الموصل شمالي العراق بعودة الحياة إلى شارع النجفي العريق الذي يرتبط بالتاريخ الحديث لمدينتهم وثقافتها، بل جميع العراقيين الذين سبق أن زاروه، لا سيما هواة القراءة والبحث عن الصحف والكتب القديمة تحديداً الذين أحزنهم سابقاً فقدان الشارع كل معالمه بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في الفترة بين منتصف عام 2014 وحتى عام 2017، والدمار الكبير الذي لحق به خلال عمليات تحرير المدينة.
يبذل متطوعون من سكان الموصل جهوداً كبيرة لإعادة الحياة إلى شارع النجفي، الذي يعد أحد أقدم شوارع الموصل وأهمها، وأكثرها ازدحاماً وحيوية، ويرتبط بشدة بالثقافة والأدب والعلم. وقد واجهوا صعوبات كبيرة في التعامل مع الخراب الكبير الذي لحق به على غرار شوارع وأحياء أخرى في الموصل، وشمل مبانيه ومحلاته التي تحوّلت بعضها إلى أكوام من الركام والحطام والأنقاض.
ويتحدث رئيس حملة "عودة شارع النجفي" التطوعية التي جاءت استكمالاً لحملات أخرى شملت أحياءً وشوارع أخرى تعرضت للخراب في الموصل، صلاح الوراق لـ"العربي الجديد"، ويقول: "اخترنا شارع النجفي استكمالاً لحملاتنا المستمرة منذ عام 2018 للمساهمة في عودة الحياة إلى قلب مدينة الموصل. فهذا الشارع ذو معنى رمزي كبير للموصل، باعتباره كان يشكل مساحة للقاء المثقفين، ويحظى بقيمة تراثية كبيرة على صعيد تجسيد الذاكرة الثقافية للمدينة وثروتها الروحانية، رغم أنه أحتضن أعمالاً تجارية مختلفة أيضاً".
وقد توّجت حملة "عودة شارع النجفي" التي استمرت شهوراً بافتتاح الشارع في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويشرح الوراق أن الأعمال الميدانية بدأت بعد استكمال تحديد الأضرار، وإقناع الجهات المعنية بإطلاق عملية إعادة البناء، وجذب أصحاب المكتبات ومحلات القرطاسية إليه، وإقناعهم بإمكان تخطي شعورهم باليأس الكبير المرتبط بالدمار الكبير الذي لحق بالشارع، وتعويض الخسائر واحتواء الصدمات التجارية التي عرفتها مشاريعهم، وذلك تمهيداً لعودتهم، وإعادة إطلاق نشاطاتهم التجارية.
يضيف: "أطلقنا الحملة في مرحلة أولى كمبادرة تطوعية على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انضمت إلينا مبادرة رصيف الكتب الثقافية، واستطعنا إقناع بعض أصحاب المكتبات بالعودة".
وحضر عدد كبير من سكان الموصل حفل افتتاح شارع النجفي، واستمتعوا بفقرات ثقافية متنوعة شملت إلقاء قصائد وخطب، وتنظيم مسابقات ثقافية منحت الفائزين قسائم لشراء كُتب من مكتبات في الشارع، وكذلك تقديم عروض فنية ورياضية.
ويوضح الوراق أن أي جهة رسمية لم تشترك في المبادرة التي حدد هدفها "بتوجيه رسالة للعودة، وتشجيع أصحاب الأملاك والجهات الحكومية على تنفيذ واجبها في إعادة بناء الشارع والذي تأخر، مع التمسك بطابعه الثقافي والتراثي".
ويتابع: "دعونا إلى إعادة فتح باب رزق المكتبات ومحلات بيع القرطاسية، وتحفيز الناس على الشراء منها. وأطلقنا وسماً (هاشتاغ) على تويتر بعنوان "بيدي كتاب" الذي تضمن فكرة شراء كل زائر كتاباً واحداً على الأقل لدعم عودة المكتبات، وتشجيع القراءة الورقية. أما الوسم الثاني فحمل عنوان "قرطاسيتنا من النجفي".
ويلفت الوراق إلى أنه "لا يمكن حصر عدد المحلات التي ستعود إلى شارع النجفي، لكن سلوك مكتبة العربية ومكتبة الشام هذا الدرب يعد علامة فارقة في عملية إعادة إحياء الشارع. وفعلياً توجد محلات تحتاج إلى ترميم بسيط، وقد أقنعنا بعض مالكيها بالانضمام إلى جهود الترميم. كما استأنف بعض الصاغة عملهم في محلات موجودة في أول الشارع".
يضيف: "وجدنا ردود فعل إيجابية كثيرة، وتفاعلاً كبيراً تجاوز حجمه أضعاف ما كنا ننتظره. ونحن نواصل عملنا التطوعي لإعادة العمل إلى كل محلات شارع النجفي".
من جهته، يقول الضابط المتقاعد سعد الهاشمي، وهو من سكان الموصل، لـ"العربي الجديد": "تعود ذكرياتي في شارع النجفي إلى أيام طفولتي في خمسينيات القرن العشرين، حين كنت أرافق والدي للتسوق وزيارة أصدقائه الذين يملكون محلات تجارية في الشارع والأسواق المحيطة به".