مؤخّراً، كشف اعتقال أشهر طبيب تجميل في المغرب، والملقب بـ "طبيب الفقراء"، استغلاله عمل الخير والتبرعات لتحقيق مكاسب مادية مستغلاً مآسي المحتاجين.
وشكّل اعتقال طبيب التجميل، الذي اشتهر بأعمال الخير وعلاج المحتاجين والمعوزين، بالتعاون مع زوجته وشقيقه وبعض العاملين في المركز الصحي الخاص الذي يملكه في مدينة الدار البيضاء، صدمة لكثيرين، وخصوصاً بعد اتهامه بالتورط في إنشاء عصابة تهدف إلى جمع مبالغ مالية من متبرعين بهدف تغطية تكاليف علاجه. وبدلاً من ذلك، يستولي هو والعاملون معه على المال.
وفي وقت يُنتظر أن يبدأ القاضي في المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء التحقيق مع الطبيب وغيره من المشتبه بهم، عاد الجدال حول "تجارة المآسي" التي انتشرت خلال السنوات الماضية من خلال العمل الخيري.
ويقول رئيس حمعية "منتدى الطفولة" عبد العالي الرامي إنه "على الرغم من وجود قوانين ضابطة وحاكمة لجمع التبرعات في المغرب، إلا أنه يتم استغلالها من قبل عديمي الضمير لضرب عمل الخير والتكافل الاجتماعي في المجتمع".
ويدعو الرامي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد "، اليوم الأربعاء، إلى "مراجعة النصوص المنظمة للإحسان العمومي"، مؤكداً أنه "يجب ألا تكون الإجراءات الإدارية صعبة، بل يكفي ضبط الأمر مع السلطات المحلية ليظل التكافل الاجتماعي الذي نسعى إليه جميعاً".
ويكثر جمع التبرعات لعلاج المرضى، خلال شهر رمضان أو عيد الأضحى. وتبرز بين الحين والآخر شبكات تستغل حسن النية والتكافل الاجتماعي بين المواطنين المغاربة. واستغل البعض، من خلال حملات تبرع وهمية، استغلال حادثة وفاة الطفل ريان إثر سقوطه في بئر في ضواحي مدينة شفشاون شمالي المغرب، في فبراير/شباط الماضي، بحجة تقديمها لأسرته.
من جهته، يقول رئيس "مرصد الشمال لحقوق الإنسان" محمد بنعيسى، إنّ "الثورة الرقمية زادت من النصب والاحتيال تحت غطاء الإحسان. وأصبح من هب ودب يطلب جمع تبرعات لمساعدة آخرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي". وينتقد خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، "تمادي فاعلي الخير في النصب والاحتيال من دون أن يكون هناك أية رقابة"، محمّلاً السلطات المسؤولية "لعدم تدخلها لوقف هذه الفوضى. على العكس من ذلك، يتم إضفاء سمة المصداقية على سلوك يجرمه القانون".
ويقصد بالتماس الإحسان العمومي، بحسب الفصل الأول من قانون 00.4.71، "كل طلب يوجه إلى العموم قصد الحصول بوسيلة ما على أموال أو أشياء أو منتوجات تقدم كلاً أو بعضاً لفائدة مشروع خيري أو هيئة أو أفراد آخرين".
ويترتب عن الإخلال بمقتضيات الفصل الأول من هذا القانون، غرامة تتراوح بين 200 و2000 درهم (ما بين نحو 20 دولاراً و200 دولار)، في حين ينص الفصل السادس منه على السجن بين شهر وستة أشهر وغرامة تتراوح قيمتها بين 1000 و100000 درهم (ما بين نحو 100 دولار و10 آلاف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ويوضح عضو "مركز شمال أفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية"، عبد المنعم الكزان، أن "المغرب عانى لسنوات من استغلال جمع التبرعات والإحسان، وخصوصاً من قبل بعض التنظيمات غير القانونية. كما كانت وسيلة من قبل بعض قوى الإسلام السياسي للتجذر داخل المجتمع، بالإضافة إلى استغلال غالبية الأحزاب السياسية من خلال تنظيماتها عمليات الإحسان لأغراض انتخابية، الأمر الذي يخالف الأدوار التي من المفترض أن تقوم بها هذه الأحزاب السياسية".
يضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "يبقى الأهم حماية المواطنين من كل أشكال النصب والاغتناء بأموال التبرعات أو استغلالها في غير محلها، والتي قد تصل إلى دعم تنظيمات إرهابية من خلال تشديد القوانين".
وأعد المشرع المغربي مشروع قانون رقم 18.18، الذي ينظم عملية التبرع لأهداف خيرية بدءاً من الترخيص وصولاً إلى دعوة العموم للتبرع، وتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم، ومراقبة عمليات جمع التبرعات وشروط وقواعد توزيعها. إلا أنه ما زال حتى الساعة قيد الدراسة، كما أعلن الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس.
ويحدّد مشروع قانون 18- 18، الجهات المخول لها جمع التبرعات، وهي "الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية"، و"الأشخاص الذاتيين" ممن لا يكون صدر في حق أحدهم حكم قضائي نتيجة ارتكاب جنايات أو جنح تتعلق بأمن الدولة أو الإرهاب أو التزوير أو الرشوة أو الاختلاس أو تبديد المال العام، محدداً عقوبة غرامة ما بين 50 ألفاً و100 ألف درهم (ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار) لكل من يقوم بعملية جمع التبرعات من دون أن تكون له هذه الصفة.
ويشدد المشروع على أن الغرض من جمع التبرعات يجب أن يكون محدداً حصراً في تمويل أو إنجاز أنشطة أو برامج أو مشاريع ذات صبغة اجتماعية أو إنسانية أو تضامنية أو خيرية أو ثقافية أو بيئية، أو لأغراض البحث العلمي، أو بهدف تقديم مساعدة أو إعانة لفائدة شخص ذاتي أو أكثر في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة، أو لفائدة مؤسسة اجتماعية غير ربحية محدثة بصفة قانونية، سواء داخل المغرب أو خارجه. كما ينص على خضوع التبرعات جميعها لترخيص قانوني قبلي من قبل عامل العمالة أو الإقليم الذي ستجري في نفوذه عملية جمع التبرعات.