أثار تخصيص مجلس الوزراء العراقي، مبالغ مالية كبيرة لـ"الحشد الشعبي"، تحت عنوان "نفقات سرية"، في الموازنة المالية للعام الحالي، والمُنتظر التصويت عليها داخل البرلمان، جدلاً واسعاً في البلاد بين الأوساط السياسية والشعبية، بعد الحديث عن أنها تتعلق بأنشطة أمنية واستخبارية لأجنحة مسلحة داخل "الحشد الشعبي".
وصوّت مجلس الوزراء العراقي، الثلاثاء الماضي، بالموافقة على شمول هيئة "الحشد الشعبي"، بالنفقات السرية، عبر إضافة مليار وخمسمائة ألف دينار (نحو مليون و200 ألف دولار) إلى "الحشد الشعبي". وهذه المرة الأولى، التي تمنح فيها الحكومة مثل هذه المخصصات بعنوان كهذا لهيئة "الحشد"، علماً أن المخصصات السرية تطلق لجهاز المخابرات العراقي فقط لتمويل عمليات خاصة به.
وتتلخّص مخاوف الشارع العراقي في تأصيل مثل هذه الأنشطة لـ"الحشد الشعبي"، ترسيخاً لنظام "المخبر السري"، الذي تسبّب بدفع آلاف العراقيين الأبرياء إلى السجون، عدا عن موضوع تجنيد سكان محليين لمنافع سياسية للفصائل المسلحة بالدرجة الأولى. كما أن الخطوة تمثل توسعاً في أنشطة "الحشد الشعبي" من عسكرية ميدانية إلى استخبارية وأمنية.
النفقات السرية لـ"الحشد الشعبي"
وقال عضو في اللجنة المالية في البرلمان، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة المالية البرلمانية لا تملك أي معلومات عن التخصيصات المالية بعنوان النفقات السرية لهيئة الحشد الشعبي، فهذه التخصيصات لم ترد إلينا ضمن قانون موازنة سنة 2023، وهي لم تُذكر في أي موازنة سابقة".
وأضاف أن "إعطاء تخصيصات مالية كهذه، من دون تحديدها أبواب الصرف لها، يثير المخاوف من شبهات فساد وتلاعب بهذه الأموال، كونها يمكن أن تُصرف من دون أن تبّوب في أحد أبواب الصرف، بحجة أنها سرية، وهذا يثير مخاوف برلمانية".
نائب في اللجنة المالية: إعطاء تخصيصات مالية للحشد يثير المخاوف من شبهات فساد وتلاعب
وأعلن العضو أن "اللجنة المالية ستوجه كتاباً إلى مجلس الوزراء لمعرفة ما هي الأسباب التي دفعت إلى هذه التخصيصات المالية ولماذا لم يتم تضمينها ضمن قانون الموازنة، وأين يمكن أن تصرف هذه الأموال، خصوصاً أن تخصيصات هيئة الحشد الشعبي في قانون الموازنة بلغت أكثر من 3.7 تريليونات دينار (نحو 2.9 مليار دولار)".
في المقابل، كشف القيادي في "الإطار التنسيقي"، النائب وعد القدو، والذي كان يشغل قيادة فصيل "حشد الشبك" في محافظة نينوى، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "النفقات السرية، تتعلق بقضايا أمن الدولة السرية، كالاستخبارات والاستطلاع العميق والقضايا التي تخص الأمور التكنولوجية، وهذا الباب يجب أن يكون سرياً، ولا يطلع عليها عامة الناس".
وأوضح القدو أن "التخصيصات المالية ضمن النفقات السرية، ستكون خاضعة للرقابة من قبل الجهات المختصة، المخوّلة بالاطلاع على هكذا قضايا حساسة وسرية، خصوصاً أن هيئة الحشد الشعبي مؤسسة فتية وتحتاج إلى تخصيصات مالية من أجل بناء القدرات فيها، تحديداً بما يتعلق بالبنى التحتية".
وأضاف القدو أن "المخصصات المالية لهيئة الحشد الشعبي ضمن قانون الموازنة، غير كافية من أجل تطوير هذه المؤسسة، ولهذا نحن نعمل على زيادة هذه المخصصات قبل التصويت على القانون، فهيئة الحشد تحتاج إلى أموال من أجل مواصلة الجهود في محاربة الإرهاب وكذلك مكافحة قضايا المخدرات". وتابع: "هناك تحديات خارجية وداخلية يعمل الحشد الشعبي على مواجهتها وحقق نجاحات كبيرة فيها، ولهذا يجب دعم هذه المؤسسة بما يكفيها من أموال لتطوير قدراتها على كافة الأصعدة".
الباحث كتاب الميزان: التخصيصات المالية للحشد بداية تحويلها لجهاز أمني
من جهته، اعتبر الباحث كتاب الميزان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إعطاء تخصيصات مالية كبيرة لهيئة الحشد الشعبي تحت عنوان النفقات السرية هو مصطلح فضفاض، وهو بداية تحويل هيئة الحشد إلى جهاز أمني موازٍ لجهاز المخابرات العراقي وجهاز الأمن الوطني".
مخاوف من ممارسة "الحشد" أعمالاً سرية
وكشف الميزان أن "إعطاء هيئة الحشد الشعبي مهام سرية، يثير المخاوف، فمن المفترض أن تكون هيئة الحشد كحال وزارة الدفاع والداخلية، وتكون مهامها معلومة، فلا يوجد أي مبرر لقيام هيئة الحشد بأي أعمال سرية فهذا يثير المخاوف، خصوصاً في المناطق المحررة (من داعش)، التي يتواجد فيها ويسيطر عليها عناصر الحشد الشعبي".
وأضاف أن "هيئة الحشد الشعبي رفضت سابقاً إعطاء قوائم بأسماء مقاتليها إلى الحكومة العراقية السابقة، وهذا يؤكد عدم وجود ثقة بمؤسسات الدولة من قبل هيئة الحشد، ولهذا هي الآن تريد العمل ببعض المهام السرية بعيداً عن مؤسسات الدولة الأمنية المختصة".
ورأى الميزان أن "هناك مخاوف من عودة المخبر السري إلى المناطق المحررة من خلال هيئة الحشد الشعبي عبر زرع مصادر مراقبة ومتابعة عبر صرف الأموال لهم وفق مخصصات النفقات السرية، وهذا الأمر يثير مخاوف حقيقية سياسية وشعبية في المناطق المحررة".
يشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي" تأسست بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون حمل الرقم 40. وفي عام 2020، تمت معادلة مرتب عنصر "الحشد الشعبي"، بمرتبات الجنود في الجيش العراقي، والبالغ واحدها مليوناً و250 ألف دينار ما يعادل قرابة الألف دولار شهرياً، إلى جانب منحهم نفس المخصصات المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد على توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والتواجد بين مختلف المحافظات التي ينتشر بها.