مضي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعد أكثر من عقدين له في الحكم، نحو عامه الـ70 وهو في ذروة أزمته مع الغرب.
قبل سنوات، تحدّث الرجل بصراحة عما اعتبره "مأسوية" تفكك الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من اعترافه باستحالة عكس التاريخ، فإنه يستفيد من سردية منظرين قوميين، على رأسهم ألكسندر دوغين. هؤلاء، وتحت قشور التركيز على اقتراب حلف شمال الأطلسي من موسكو، يرون ببساطة أن الحفاظ على "روسيا التاريخية" يستوجب الهجوم، وخلق جدران حماية حول البلد.
تقوم فلسفة المعسكر القومي، المُطعّم ببعض تديّن مقصود، على سردية أنّ الحلف الأطلسي، استغلّ ضعف روسيا في التسعينيات وبداية الألفية الثانية، ليتوسّع شرقاً.
بالطبع، استغلّ الأميركيون خلق ضجيج حول "مدفع العراق العملاق" وتضخيم قدراته الصاروخية، لحشد الأوروبيين، وتوسيع الحلف ونشر مزيد من الصواريخ "الدفاعية"، تحت أعين موسكو، وكأنهم كانوا يخوضون استعراض "انتصار" غربي-رأسمالي.
في المقابل، فإن بعض الأوروبيين يعتقدون أن خشية روسيا على وحدتها، ومن النزعة الاستقلالية والنموذج الغربي في الحكم، هو ما يحرك مواجهاتها مع الغرب. فمشهد خروج دول البلطيق (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا) من فلكها، لا يزال ماثلاً عند القوميين. ويُسقط هؤلاء من الحسابات مواجهة عسكرية شاملة بين موسكو والغرب، بناء على معرفتهم لحدود قوة الجانبين، والردع النووي جزء من ذلك.
وأفعال موسكو على الأرض، بتدخلاتها لإنقاذ أنظمة تشبهها، وعمل الجناح القومي الروسي على بناء علاقات مع مثيله الأوروبي، فضلاً عن جهود أوسع لتشتيت مواقف القارة العجوز، كلها عوامل تعزز من حذر وتشكك الأوروبيين من سياسات موسكو.
بالطبع أيضاً، تبدو جهود موسكو في سياقات مراكمة النقاط، مفهومة. فتجربة دول البلطيق؛ التي ترسل اليوم، بمعية واشنطن، سلاحاً متطوراً لأوكرانيا، إلى جانب غيرها من الدول في خواصر روسيا، والتي جربت نمط حياة غربيا، وبالأخص إعادة بناء مؤسسات حكم ديمقراطية واعتماد التعددية السياسية وفصل السلطات وتكريس حرية الرأي والصحافة، تزيد من بواعث القلق لدى الحكام في الكرملين.
في كل الأحوال، ربما أراد الكرملين تقليد الصين في محاصرة التأثير الغربي بمقارعة اقتصادية ودبلوماسية لا تتوفران لموسكو.
فعلى رقعة الشطرنج، يظلّ استعراض القوة والهرولة لإنقاذ أنظمة حليفة وتأسيس مثلها في كييف، من أهم أدوات خلق وسائد صد لإبقاء النموذج البوتيني في الحكم، ولإبعاد شبح "بيريسترويكا (إعادة البناء والهيكلة) وغلاسنوست (انفتاح)" سياسي وقومي، بما يطيح بأحجار دومينو في روسيا ومحيطها، ويهدد حتى وحدة البلاد.