يخشى السودانيون هذه الأيام من مواجهة عسكرية محتملة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، استناداً للحرب الكلامية التي شارك فيها قادة الطرفين، بمن فيهم الجنرال عبد الفتاح البرهان ومجموعته من جهة، والجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومجموعته من الجهة الأخرى. وتزداد المخاوف بتواتر الأخبار عن تحشيد وإحكام الحراسات الشخصية وخلافه.
تبدو قضية الخلاف الظاهرية هي مطالبة البرهان بدمج "قوات الدعم السريع" في الجيش كشرط أصيل من جانبهم حتى يواصلوا دعم وتنفيذ "الاتفاق الإطاري" الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والوصول بقطاره لمحطة التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل حكومة مدنية. في المقابل، يصرّ حميدتي على إظهار أن الخلاف حصل بسبب دعمه المطلق لعملية التسوية السياسية ولمبادئ ثورة ديسمبر 2018 ووقوفه في وجه محاولات عودة النظام البائد وفلوله للسلطة.
ولا تعكس قضية دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش ولا دعم الثورة واقع الخلاف الحقيقي، لأن "الاتفاق الإطاري" نص على عملية الدمج، وأوجب تحديد جداول زمنية لإكمالها، على أن توقع تلك الجدول كملاحق مع الاتفاق النهائي. كما أن قادة الجيش تعايشوا مع هذه "القوات" في السنوات الماضية وبعضهم شارك في إنشائها كمليشيات قبلية في دارفور، وأيدوا ضمّها إلى الجيش النظامي.
في المقابل، فإن الثورة لا تحتاج لإسناد من "حميدتي" الذي أثبت معاداته لها. وهو ما يدفع للتساؤل عن حقيقة أسباب التوتر بين الجيش و"قوات الدعم السريع" أو بالأحرى بين البرهان وحميدتي.
الخلاف ليس في قصة الدمج ولا في قصة اتفاق إطاري يتحمّس له حميدتي، بل معركة مؤجلة على النفوذ والوصول للكرسي الأول في السلطة. وبالتالي، فإن اتفاق الجنرالين وتوافقهما في السنوات السابقة حدث لوجود منافسين آخرين تم التخلص منهم وإقصاؤهم واحداً تلو الآخر، بدءاً من الفريق عوض بن عوف، مروراً بمدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق صلاح قوش ومعه مجموعة من الضباط في المجلس العسكري، مروراً برئيس هيئة أركان الجيش الفريق هاشم عبد المطلب، الذي اتُهم بمحاولة تدبير انقلاب عسكري وحكم عليه بالسجن، وصولاً للتخلص في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
خلا الجو تماماً للبرهان وحميدتي للعب المباراة النهائية للتويج بـ"كأس السلطة". هذه هي الأبعاد الحقيقية للصراع الذي سينتهي قريباً ولا تهم نتائجه الكارثية البرهان وحميدتي.