لبنان: رسائل بالدم والنار للجيش على الحدود الشرقية

24 يناير 2015
اشتباك بين المجموعات السورية والجيش في موقع المتفرج(حسين بيضون)
+ الخط -
لا تزال مواقع الجيش اللبناني عند الحدود الشرقية مع سورية تحت نيران المجموعات السورية. لن تحميها زيارة قائد الجيش، جان قهوجي، كما أنّ خطاباته الرنانة لن توقف هذه الاعتداءات المتكررة. فتعرّض مركز عسكري لبناني متقدّم في جرد بلدة رأس بعلبك (شرقي لبنان) لهجوم من قبل المسلحين الذين تمكنوا من السيطرة على موقع "تلة الحمرا" لساعات قبل أن يتمكن الجيش من استعادته. وللمرة الأولى منذ ما يقارب أكثر من عام على التوتر عند هذه الحدود، قرّرت قيادة الجيش فرض تعتيم إعلامي على ما يجري على طول هذه الجبهة، إذ طلبت من وسائل الإعلام "عدم بث أي معلومات عن تفاصيل الاشتباكات الجارية". وقد اعترفت بوقوع الهجوم، مشيرةً في بيان صادر عنها إلى تصدي "عناصر المركز للهجوم بمختلف الأسلحة وقصف أماكن تجمعات المسلحين"، في حين أشارت معلومات "العربي الجديد" إلى سقوط قتيلين في صفوف الجيش وإصابة سبعة آخرين، وفقدان الاتصال بستة عناصر أصبحوا في أعداد المفقودين. مع العلم أنّ الجيش عمل على استقدام التعزيزات والآليات إلى المنطقة، تحديداً من فوج المجوقل، أحد أبرز الوحدات العسكرية الخاصة في القوى المسلحة اللبنانية.

يربط متابع للوضع العسكري على الحدود ما حصل في رأس بعلبك بزيارة قهوجي إلى البقاع يوم الأربعاء الماضي، أي قبل يومين من هجوم رأس بعلبك. وبحسب أحد ضباط الجيش اللبناني، فإن العمليّة تأتي في إطار ردّ المجموعات السورية على هذه الزيارة، في محاولة منها "للانتقاص من قيمتها وضرب نتائجها تحديداً على صعيد الروح المعنوية لعناصر الجيش المنتشرة عند الحدود"، كما يقول الضابط لـ "العربي الجديد". تكرّر الهجوم على نقاط الجيش في رأس بعلبك، في سيناريو مشابه حصل مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ وقعت دورية للجيش في كمين مسلّح أدى إلى قتل ستة عسكريين. وتلى ذلك أيضاً أكثر من محاولة تسلّل على نقاط أمنية مستحدثة وأبراج عسكرية تمّ الإعلان عن تشييدها قبل مدّة من الهجوم.

يبدو أنّ المجموعات السورية باتت تتقن اللعب على المستوى المعنوي، من خلال تحقيق أهداف محققة ولو أنها غير ذي قيمة عسكرية أو أمنية، باعتبار أنّ هذه المواقع التي يتم استهدافها تُعد ساقطة عسكرياً فهي تقع تحت نار المجموعات المسلحة وعناصر الجيش الموجودون فيها يكتفون بالمراقبة ولا تسعى قيادتهم إلى التقدم أكثر باتجاه الجرد الفاصل مع القلمون السورية. إذ يبدو أن المجموعات المسلّحة تكتفي حالياً بهذه الضربات للجيش، والتي تؤدي إلى الانتقاص من قيمة الجهود التي يبذلها الجيش اللبناني وقيادته على الحدود، لتحقق مكاسب عبر ضرب معنويات عناصر الجيش وللمحافظة على "الستاتيكو" الموجود على الحدود.

اشتباك في عرسال

وفي ردّ آخر على زيارة عرسال، البلدة الأكبر عند الحدود الشرقية بين لبنان وسورية والأكثر توتراً نتيجة سيطرة المجموعات السورية على مفاصل رئيسية في محيطها، وقع اشتباك بين مجموعة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولواء فجر الإسلام. فاشتعل "حيّ الشفق" في عرسال ليل الخميس ــ الجمعة، بعد محاولة داعش توقيف أحد عناصر "الجيش الحرّ"، ما استوجب ردّ "فجر الإسلام" ومنع حصول التوقيف، بحسب ما قالت مصادر محلية لـ "العربي الجديد".

يتعدّى هذا الحادث نطاق الصراع بين المجموعات السورية في القلمون، وسعي كل منها إلى تأكيد نفوذه ووجوده على الساحة العسكرية، باعتبار أنّ الاشتباك وقع داخل عرسال التي تقول قيادة الجيش اللبناني إنها تمسك بها وبأمنها. ليتضح أنّ المواقع التي تسيطر عليها عناصر الجيش في محيط البلدة لا تمنع المقاتلين السوريين من الدخول والخروج وتنفيذ مهام أمنية وتنظيمية. حتى أنّ عدداً من أهالي عرسال أكد لـ "العربي الجديد" توزيع "داعش" المساعدات على أبناء عرسال ولاجئين سوريين في منطقة "وادي حميد" داخل الحدود اللبنانية. مع العلم أنه يسكن هذه المنطقة أكثر من ألف شخص، من لبنانيين وسوريين، وصلت لهم إعانات التنظيم من أغذية ومساعدات عينية ووسائل التدفئة. ما يوحي بأنّ "داعش" يعمل، كأي سلطة محلية، على تأمين حاجيات "مواطنيه" في ظلّ عجز الدولة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة عن العمل إلا في إصدار بيانات التأكيد على وحدة لبنان وشعبه. أما أهالي عرسال، فباتوا يعيشون اليوم في أمر واقع صعب، إذ تضيق عليهم الحواجز الأمنية الرسمية وتمنعهم من التوجه إلى أراضيهم الزراعية ومقالع الحجر (مورد الرزق الأكبر لأهالي عرسال)، ومن الجهة الأخرى يخضعون بشكل أو بآخر لسلطة المجموعات السورية المختلفة التي تفرض قوانينها الخاصة، فيدفع أهالي عرسال الثمن على الجهتين.

المساهمون