"النهضة" تحسم خيارها الرئاسي: استمرار للتلاقي مع "نداء تونس"؟

06 ديسمبر 2014
توافق بين "النهضة" ونداء تونس" بالبرلمان (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو الأحداث السياسية في تونس متلاحقة ومتواترة بشكل غير مسبوق، فما تأجّل وامتدّ على أشهر يتم حسمه حالياً بشكل واضح خلال أيام قليلة، ويستدعي من الأحزاب أن تُفصح عن مواقف حاولت إخفاءها بكل الطرق للوصول الى آخر لحظات اختبار المنافسين.

ويبدو مشهد أمس الأول البرلماني سريالياً خلط أوراق الجميع على كل المسارات، البرلمانية والرئاسية والحكومية، ودعاهم إلى إعادة ترتيب أفكارهم واصطفافهم في فترة زمنية وجيزة لتحديد مستقبلهم السياسي في مشهد السنوات المقبلة.

وبدا مشهد التلاقي "الندائي-النهضوي" (بين نداء تونس والنهضة) مُربكاً للجميع، وخصوصاً للأحزاب التي بنت جملة مواقفها انطلاقاً من مشهد الاستقطاب الثنائي بين الطرفين، وحالة التنافر التي استمرت بينهما على امتداد سنوات حتى الأيام الأخيرة.

وتبدو حركة "النهضة" أكثر الأحزاب المعنية بتحديد نوعية المنعطف السياسي في مسيرتها، خصوصاً مع ضرورة توضيح موقفها من الانتخابات الرئاسية، ودعم أحد المرشحَيْن للدور الثاني الذي انحصر التنافس فيه بين الرئيس الحالي منصف المرزوقي ورئيس "نداء تونس" الباجي قائد السبسي.

ويأتي موعد انعقاد مجلس شورى "النهضة" اليوم السبت وغداً الأحد، في قلب هذه العواصف التي يُرجّح المتابعون أنها ستقلب المشهد السياسي التونسي رأساً على عقب، على الرغم من تقليل قيادات الحركة من حجم المتغيرات، واعتبارها مسالك سياسية عادية في علاقة الأحزاب.

عبد الفتاح مورو، نائب رئيس الحركة والنائب الأول الجديد لرئيس مجلس النواب الذي انتُخب أمس الأول بإجماع "النهضة" و"النداء" وغيرهما، يعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن موقف "النهضة" في البرلمان كان متناسقاً مع دعوتها المبدئية إلى التوافق وحرصها على الوحدة الوطنية، مشدداً على أنه ينبغي على قواعد الحركة وقياداتها أن تنظر بعيداً في مواقفها السياسية وأن تراعي المصلحة الوطنية قبل المصلحة الحزبية.

في حين يؤكد القيادي في "النهضة" العجمي الوريمي في حديث مع "العربي الجديد"، أن المسارات البرلمانية والحكومية والرئاسية تبقى منفصلة، وأن أياً من المرشحَيْن لم يطلب من "النهضة" مساندته صراحة، لافتاً إلى أن الحركة حتى اليوم باقية على حيادها، على الرغم من مطالبة البعض بحياد تام في الدور الثاني، ولكن الحركة تفضل أن تدعو الناخبين للذهاب إلى الاقتراع والمشاركة بكثافة في الانتخابات.

ولم ينفِ الوريمي أن ما حدث في البرلمان سيؤثر بطبيعة الحال على المسار الرئاسي، وإن كانت "النهضة" متمسكة بمبدأ عدم سيطرة حزب "نداء تونس" على كل الرئاسات، ولكنه يشير إلى أن "لا شيء يمنع حزب "نداء تونس" من أن يقترح اسماً من خارجه لرئاسة الحكومة أو أن يقترح حكومة تكنوقراط، كي لا يسيطر هو على كل المسارات، ويثبت بالتالي أنه لن يحكم بمفرده كما ردد دائماً، في ظل إصراره على الرئاسة".

وتبدو "النهضة" في موقف لا تُحسد عليه في هذا السياق، فهي ستكون اليوم وغداً خلال انعقاد مجلس الشورى أمام معادلة صعبة للغاية، يقف على طرفها الأول موقف قواعدها الداعم للمرزوقي بشكل لا غبار عليه، وعلى طرفها الثاني يأتي اصطفافها السياسي الجديد مع خطاب الوحدة الوطنية وضرورة الالتقاء مع الجميع، في مقابل إصرارها على الوقوف ضد مبدأ التغول وتركيز السلطات في يد واحدة.

ويشدّد الوريمي في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن "النهضة" كانت دائماً مع حكومة وحدة وطنية موسّعة، تجمع كل العائلات السياسية الهامة، وتحظى بدعم سياسي وشعبي واسع، مشيراً إلى أن المبادرة ينبغي أن تنطلق من "نداء تونس" صاحب الأغلبية النسبية في مجلس النواب.

وفي كل الحالات سيكون موقف مجلس شورى "النهضة" محدِّداً لنوعية العلاقة التي ستجمعها بحزب "نداء تونس"، الذي يطالبها على الأقل بـ"حياد حقيقي" في سباق زعيمه مع المرزوقي، وسيكشف بما لا يدع مجالاً للشك شكل الاتفاق الذي حصل بينهما في الأيام الأخيرة، ومستقبل هذا التحالف الجديد.

أما "الجبهة الشعبية" فبدا موقفها هادئاً نسبياً ومختلفاً من قيادي إلى آخر، ففي حين اعتبرت النائب مباركة البراهمي (أرملة المعارض محمد البراهمي الذي تم اغتياله) أن صندوق الاقتراع كشف عن تحالف ترويكا جديدة جمع بين اليمينَين الليبرالي والديني، يعتبر القيادي في "الجبهة" والنائب منجي الرّحوي في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ عدم تواجد "الجبهة" في تركيبة مجلس النواب هو تقصير منها، مضيفاً: "نحن مسؤولون عن ذلك".

ويشير إلى أن "الجبهة الشعبية" لم توضح موقفها بخصوص منصب النائب الثاني وكانت خارج العديد من التوافقات في عدة مناسبات، مما أعطى مثل هذه التركيبة، وذلك على خلفية تسريبات كانت تتحدث عن اقتراح "نداء تونس" على "الجبهة" تقديم ترشيح مباركة البراهمي لمنصب النائب الثاني، وليس الأول الذي حصل عليه مورو.

ويستبعد الرّحوي أي تحالف بين "النداء" و"النهضة"، مؤكداً أن "النهضة في صدد ممارسة سياسة المناورة حتى الآن، وهي أوحت للرأي العام بوجود توافق حاصل بينها وبين "النداء"، مما قد يدفع الأحزاب إلى التموضع على هذا الأساس وبعيداً عن النداء"، معتبراً "أن "هذه الضبابية مقصودة من قبل حركة النهضة وهي المستفيدة في كل الحالات".

ويلفت إلى أن أقلية من "الجبهة الشعبية" تفسر ما حصل في تركيبة مجلس النواب على أنه توافق، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك.

ويبقى الطرف الثالث المعني بهذه الحسابات، حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" ومرشحه المرزوقي، في موقف المتفرج على المشهد، والمنتظر ما ستؤول إليه الأحداث بحذر شديد، وهو يتجنّب التصريحات الصحفية عدا جملة بسيطة واحدة دوّنها عدنان منصر مدير حملة المرزوقي على صفحته الرسمية جاء فيها "نعرف جيداً أصدقاءنا من غيرهم، نقدّر قراراتهم، ولا ننساق في حملة الفتنة. إذا أطلقت النار على قدميك فكيف تستطيع بعد ذلك أن تستوي واقفاً وتمضي بسلامة نحو هدفك؟".

وهي جملة فسّرها متابعون بأنها تختزل موقف منصر من الجدل الدائر حول علاقة المرزوقي بحركة "النهضة"، علاقة ستتوضح بالتأكيد بين اليوم والغد بعد انتهاء أعمال مجلس شورى الحركة، وما سيتخذه من قرارات.

المساهمون