تركيا: التشريعات الأمنية تعمّق الخلافات مع "الشعوب الديمقراطي"

13 ديسمبر 2014
تصدّر دميرتاش التظاهرات الداعمة لمدينة عين العرب(غلياس أكينجين/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال العلاقة بين الحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعوب الديمقراطي(الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، متوترة منذ احتجاجات مدينة عين العرب في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلى الرغم من فترات التهدئة التي تمرّ بها أحياناً.

ولم يكن التصعيد الذي جرى أخيراً بين رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، والرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، حول حزمة التشريعات الأمنية التي تقدمت بها الحكومة إلى البرلمان إلا جزءاً من هذا التوتر.

لم تكتفِ الحكومة بإخراج دميرتاش، بسبب تصريحاته خلال التظاهرات الداعمة لمدينة عين العرب، من الهيئة التابعة للاتحاد الديمقراطي والتي تقوم بالوساطة بين الحكومة وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان واتحاد المجتمعات الكردستاني (المظلة التي تعمل تحتها جميع التنظيمات التابعة للعمال الكردستاني)، بعدما وضعت الخطوة كشرط لاستئناف العملية والسماح للهيئة بزيارة أوجلان، بل حمّل داود أوغلو دميرتاش أيضاً "المسؤولية عن أي قطرة دم ستراق في الشوارع"، إثر تصريحات الاخير بأن الشعوب الديمقراطي سيقف بكل قواه ضد الحزمة الجديدة.

وبما أن إيقاف الحزمة في البرلمان أمر غير ممكن بسبب سيطرة العدالة والتنمية عليه، هدد دميرتاش باللجوء إلى "الاحتجاجات في الشارع" لإيقاف مشروع حزمة التشريعات الامنية التي تمنح بها الحكومة قوة إضافية للشرطة والقضاء، وتضع قيوداً جديدة على الاحتجاجات الجماهيرية. وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً لأن الحزمة تسمح أيضاً بإجراء تحريات واعتقالات على أساس وجود "شكوك معقولة" من قبل أجهزة الأمن، حتى من دون وجود أي دليل ملموس.

بطبيعة الحال، هناك الكثير من الأسباب التي قد ترفع التوتر بين الطرفين، لكن أهمها الآن المخاوف من عدم قدرة الطرفين على الالتزام بالتوصل إلى تسوية نهائية للقضية الكردية قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في السابع من يونيو/ حزيران من العام المقبل.
وتنتاب حزب العمال الكردستاني الكثير من المخاوف والشكوك حول عزم الحكومة على إتمام عملية السلام، إذ يخشى أن لا تكون التطورات الأخيرة إلا وسيلة دعائية أخرى في حملة العدالة والتنمية الانتخابية، لتعود الحكومة مرة أخرى إلى إجراءاتها الأمنية بعد انتهاء الانتخابات التي تشير نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في أغسطس/ آب الماضي، إلى أن العدالة والتنمية سيكون المنتصر هذه المرة أيضاً.

وكان مراد قرايلان، أحد أهم القيادات العسكرية لقوات العمال الكردستاني، قد أكد في وقت سابق أنه قد "أوقف" عملية التسوية أثناء الانتخابات السابقة، مشدداً على أنّ العمال الكردستاني لا يود رؤية "هذه الأفلام" مرة أخرى.

وكانت هوليا أوران، أو بِسي هوزات (الاسم الحركي)، التي تعتبر من الجيل الجديد من قيادات العمال الكردستاني والرئيس المشارك لاتحاد المجتمعات الكردستانية ورئيس الجبهة الشعبية التابعة للعمال الكردستاني، قد كتبت عموداً في صحيفة "أوزغور غونديم" التركية، يوم الأربعاء الماضي، أي بعد الاطلاع على مسودة أوجلان، أكدت فيه أن قيادات "العمال الكردستاني ستلتزم بالمشروع في حال التزمت الحكومة به".

وحذرت أوران من أنه "إذا حاولت الحكومة مرة أخرى أن تضرب جهود أوجلان بسبب حسابات انتخابية ضيقة، لن يكون أمام الأكراد أي خيار سوى تحديد مستقبلهم"، إذ إنّ مصطلح "تحديد المستقبل" في أدبيات العمال الكردستاني يعني العودة إلى النضال المسلح. وأشارت أوران إلى أن "رسالة أوجلان لكل من الحكومة وقنديل تؤكد على أن صبره بدأ بالنفاد".

وبينما كانت الهيئة التابعة للشعوب الديمقراطي في جبل قنديل تعرض مشروع أوجلان لعملية التسوية على اتحاد المجتمعات الكردستانية، كان دميرتاش في العاصمة البلجيكية بروكسل لأخذ المشروع وعرضه على الجناح السياسي والاقتصادي للحزب الذي يستقرّ هناك.

وكانت الهيئة التابعة لحزب "الشعوب الديمقراطي" قد نقلت في 30 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن أوجلان قوله إنه "ناقش مع وفد حكومي تفاصيل المسودة التي اقترحها الأخير للسلام، بعنوان مسودة عملية السلام والتفاوض الديمقراطي". ووصل الطرفان إلى اتفاق حول إطار عملية التفاوض التي ستبدأ قريباً، إذ يتكوّن الإطار التفاوضي الذي تم الاتفاق عليه من ثلاثة أبواب رئيسية: باب بعنوان مقترحات للحل، وباب المفاوضات، وباب خطة العمل.

وأعلن النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، سري ثريا، يوم الأربعاء، أن "الحكم الذاتي" هو جزء من مسودة إطار التفاوض الخاصة بعملية التسوية بين الحكومة التركية والعمال الكردستاني، وأن اتحاد المجتمعات الكردستاني وافق على المسودة بإجماع كافة أعضائه، من دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل، لينفي أمر مناقشة الحكم الذاتي نائب رئيس الوزراء التركي، يالجين أكدوغان، في وقت لاحق.

وعلى الرغم من كل هذه التهديدات المتبادلة والتوتر المتصاعد بين الطرفين، إلا أن كليهما مقتنع تماماً بأنه لا مفر من التفاوض والاتفاق، لأن أكثر من ثلاثة عقود من الصراع المسلح لم تؤدِ إلى أي شيء سوى مقتل أكثر من 40 ألف مواطن تركي.

المساهمون